الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 09:13 م - آخر تحديث: 04:17 ص (17: 01) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمرنت :هشام سعيد شمسان -
مقاربة الدلالة في قصيدة (على شفاه الوقت)
(1)
يمثل الشعر لدى فيلسوف مثل " هيدجر " : الإنسان ، واللغة ، والوجود ، والكينونة ، ومثل هذه المقولات لديه هي على سبيل الحقيقة غير القابلة للقياس البلاغي ، ولكننا – هنا - مضطرون لأن نتعامل مع هذه المقولات تعاملاً ينظر إليه على سبيل المجاز . باعتبار أن الشعر هو مزيج من العقل والعاطفة والذات ، وهو – أخيراً – خلاصة لتجربة(ما) ، يلتقي فيها ثنائي " الداخل ، والخارج " .
وفي التجارب الشعرية الحديثة كثيراً مانجد انفصالا بين التجربة ، والنص الداخلي – أو المكون الداخلي – وهذا عائد في أساسه إلى أن معظم ما يكتب لاقصدية من ورائه سوى نشدان الجمال الذي لايحقق مزية التاثير في المتلقي ، أو متعة التذوق التي نبحث عنها. ولكننا بالمقابل لانعدم الأمل بوجود شعراء يعيدون إلينا ابتسامة الشعر بعد شحوبه ، وشباب القصيدة بعد هرمها متجاوزين – بذلك - كل مقولات الحداثة الولائية " إلى حداثة تجمع بين حداثة الإبداع ، واصالته معاً ..
وأمامنا - هنا - يقف شاعر من أولئك القلة،وبكل ثقة يتقدم قائلاً: هاأنذا .
إنه الشاعر الوديع / " جميل المفرح " الذي يلج إلى القصيدة من بوابة الشعر (1)
(2)
تنتمي القصيدة التي اختارها الشاعر عنواناً لديوانه الأول – إلى التفعيلة العروضية. وتتألف من ستة مقاطع يربط مابين مقطع وآخر لازمة أساسية تتكرر في جميع المقاطع ، وفائدة هذه " اللازمة " التكرارية – التنبيهية – أنها الحبل الذي يصل بين المقطع ، وأخيه ليتواشج المعنى ، فلا تنقطع وحدة المعنى الكلي للنص ، والذي بدونها يفقد النص أهم العلامات الاستدلالية . وكان شاعرنا قد نشر هذا النص – سابقاً – على هيئة ترتيبية ( بصرية ) أخرى ، تعتمد على الشكل ( المتوازي ) ، والمسمى – خطأ – بـ(التدوير ) محاولاً – بذلك – مجاراة بعض النصوص التي تعتمد هذا التوزيع الشكلي ؛ إلا أنه عدل من وجهة نظره تلك ، وقد ضمها ديوانه الأول . منتقلاً بها إلى التوزيع الحر للتفعيلات ، والجمل ، والعبارات الشعرية ونؤكد – هنا – على أن القصيدة ظلت محتفظة بمائها ، ووضعها الجمالي السابق ، فلم يؤثر فيها التبدل التوزيعي؛ لأن التدوير ظل قائماً في النص - مع تفكيك التوازي - وكأن الشاعر إنما أراد أن يقول : ليس التدوير بالتوازي ، وحسب .
(3)
وباعتماد الشاعر على التفعيلة العروضية أساساً لجميع قصائده ، فإنما يثبت بذلك تفوقاً على كثير من أبناء جيله . أولئك الذين يتركون شعرهم عارياً من التأثير المطلوب (2)بسبب من اهمال التفعيلة عن جهل بها ، أو ضحالة في الثقافة الشعرية لـ" أن الوزن الشعري هو وسيلة – لاغابة – لبناء المعنى لإحداث التأثير العاطفي المطلوب أو المناسب " (3).
وإذا ماانتقلنا إلى البنى الداخلية للنص سنجد بان القصيدة في فكرتها العامة هي اقتراب من رثائية إشفاقيه . قطباها الشاعر والضمير (ك) – المخاطب الغائب . وما بينهما تقع العلامات الإشارية الشاهدة.:

" قطر سنينك
أيها الشاقي
كتقطير الثواني
في إناءات الزمان .
المستتب على مداك ..
أما تزال على شفاة الوقت
تحصى كم قضيت ،
وكم تبقى منك .. "
إن أول مايقابلنا هو الفعل " قطر " وهو " مورفيم " الامر الذي يدل لغة على الطلب ، والوجوب .. ولكن مبدأ الوجوب " ينتفي هنا تماماً؛ ذلك ان الموقف يقتضي المشاركة الوجدانية ، لا الطلب على حقيقته . ولذلك فهو أمر " مواساة " يدل به الشاعر على العدد الكبير من السنين . أما الفراغ الذي يحدث بين قطرة وأخرى فهو ليس سوى الأعمال ، والذكريات التي تصاحب الإنسان ، وتتخلل فراغات العمر . كما يحمل التقطير معنى " المائية " وليست سواه العمر الذي أشبه الماء نقاء . وكما أشبهه في لا إمكانية الإمساك به . واختار " الشاعر " علامة " الشاقي " ليشير بها إلى دال في الداخل ، ومدلول في الخارج ، وهو إنسان يتشامخ في العظمة كما الجبل ( الشاقي ) في ارتفاعه وطوله.
ولنتأمل في الجملة الاستفهامية" أما تزال على شفاه الوقت تحصي؟"(4) والتي أفادت معنى تحسريا واضحا وإشفاقا عجيبا من الشاعر على المخاطب الغائب يعكس حباً ممزوجاً بالعطف على المحبوب . ثم تجئ الأداة "كم " مفسرة وشارحة . وثمة فارق دلالي بين الاستفهام بالهمزة ، ثم الاستفهام بـ( كم ) وهو فارق بلاغي محض هنا . ولكن الجامع بينهما هو هذا التوجع الإشفاقي.
وإذا كان الشاعر قد استعمل " كم " في المقطع السابق للاستفهام المحض فإنه ، في المقطع الثاني ، يحاول أن ينقل نفس الأداة إلى حقل آخر في الدلالة ، وهو إفادة التكثير بإخباريتها :
" قطر سنينك
من هنا
تبت يدا التاريخ
كم أنساك نفسك
تحت قيظ الوعد " .
كما نلاحظ انه في قوله " أنساك " لم يحاول ان يسند الفعل " أنسى " إلى اليد ، بالرغم من أنها الدليل الأوحد على المشبه المحذوف – الأصل – وإنما أسنده إلى " التاريخ " لأنه المعني الأول بتغييب الأنا ، والدليل الأكبر الذي يقع تحت طائلة المساءلة ، أما اليد فهي أداة البطش وبه تتحرك ، لابها يتحرك ..
ومن الملامح اللغوية – التي ترتبط بالدلالة وثيقاً : أن الشاعر من خلاله نصه يتكئ على حرف " الكاف " أكثر من اتكائه على بقية الحروف ؛ مركزاً أكثر على ضمير المخاطب الغائب كما في نحو ( سنينك ، مداك ، منك ، عليك ، نومك ، عرتك ، انتمائك ، كيانك ، نفسك ، عمرك ، سماك ، فيك ، انتظارك …. الخ ) وفي هذا تأكيد على وان شخصية المخاطب الغائب كانت محوراً أصيلاً في ذات الشاعر ؛ تمحور حولها ، فأضحت لصيقة به ابتداء وانتهاء ..
حيث ظهر هذا الحرف موزعاً على خمس منازل :
الأولى : جزء من رابط حرفي أو اسمي نحو.. كم ،كل ..
الثانية : ضمير في أسماء نحو :" نومك / كيانك / نفسك …
الثالثة : ضمير في أفعال نحو :" عرتك / أنساك …
الرابعة : ضمير في رابط حرفي نحو : منك ، فيك ، عليك ،…
الخامسة : جزء من لفظ موحد نحو: كن ، الكيان ، تكون …
أما عدد ظهوره التقريبي فهو خمس وأربعون مرة. يلي ذلك حرفا الصفير " السين ، والشين ، واللذان ظهرا أربعا وثلاثين مرة على التقريب . وكان لتوالي هذين الحرفين في جميع المقاطع فائدتان :
الأولى : إحداث تلون إيقاعي يتوالى بين أجزاء النص الستة .
الثانية : إحداث صوت ما . إذا ماربط بنوع الشعور المثار في النص كان أشبه بصفير الرياح التي يصاحبها خريف الموت ، واستدعاءات المنية ..
وإذا ما انتقلنا إلى " اللازمة " التي تكررت ست مرات ، وحاولنا أن نقيم معها حوارا أو علاقة استدلالية؛بترتيبها وفق نظام معين سنجد الترتيب الآتي :
- قطر سنينك أيها الشاقي ..
- قطر سنينك .. من هنا .. تبت يد التاريخ "
- قطر سنينك ، طال نومك واقفا..
- قطر سنينك .. لاتخف …
- قطر سنينك .. لاتدم ...
- قطر سنينك .. هاهي الأجراس تنذر .. " .
ولنفترض – الآن – قراءة – معينة أرادها الشاعر ، وهو يحاول استنطاق المخاطب من خلال النظام الترتيبي السالف .
لنتأمل هذه القراءات التأويلية :
¨ إبتداء الشاعر ببيان صيرورة المخاطب التشامخية ؛ لكنه بالمقابل يؤكد على حالة من الإشفاق عليه ؛ لإصرار الغائب على رفض الحاضر ، وتجاوزه إلى الماضوية .
¨ بَعثُ حالة من التشارك السببي لمحاولة الوصول إلى فضاء من الوجدانية بتجسيد للتاريخ ، ثم توبيخه ، بجعله سبباً في انهزامية الذات المخاطبة .
¨ الوصول إلى تهدئة الذات الغائبة ، بإرشادية اللامباشرة من النصح للمحبوب .
¨ وأن ثمة (ما) يمكن الانتماء إليه لتحقيق جمالية العبور من الماضي إلى بعض حاضر " مازال في التاريخ " منه كثير احْتباء .
¨ تجريد الذات الغائبة من انهزامها الكلي ، والتأكيد على الحاضر، لاجئا – شاعرنا – إلى التحذير من إمكانية الفناء لحضور أصوات الأجراس التنبيهية . ولكن يحدث أن ينكسر الشاعر وتنتصر الأجراس ، ويضحك الفناء أخيراً (5).





الهوامش:

(*) صدر ديوانه الأول ،على شفاه الوقت. ، عام 2001م ،الهيئةالعامةللكتاب.
(1) في استفتاء أجرته مجلة افكار الأردنية في عددها (151) 2001م حول أهم الأسماء المبدعة في الوطن العربي في مجال الشعر ، والقصة ، والنقد ، جاء اسم شاعرنا ضمن قائمة الاستفتاء كأحد أهم الشعراء في اليمن . وبغض النظر عن الطريقة التي تم بها الاستفتاء ، أو المعايير التي ارتكز اليها ، يكفي أن شاعرنا كان واحداً من الأسماء المتذكرة ، لاسيما وهو ينشر في صحف ومجلات عربية عدة .
(2) استطيع أن اقول بأن جميل مفرح من الشعراء القلائل الذين يمتلكون جميع مفردات العمل الشعري : ومنها التفعيلة العروضية –أهم أدوات الشاعر المجيد- ؛ إذأن التخلي عن هذه التفعيلة في كثير من شعر الحداثة كان ناتجاً – للأسف – عن الثقافة البائسة للتراث العربي ، والانقطاع التام عنه . ولسنا هنا في معرض الرفض لتلك النصوص "المرسلة " التي كان العمود الشعري أو التفعيلة العروضية منطلقاً أولياً لأصحابها وإنما في منطقة الرفض لتلك التي تتجاوز تاريخها بالانقطاع عنه والدخول من بوابة " تي سي اليوت أو سوزان بارنار .
(3)(عز الدين منصور ، دراسات نقدية … ، مؤسسة المعارف ، بيروت ، ط1 ، 1985م
(4)(في النص المنشور في الصحف ( ألا) .
(5)هذه مقدمة ، متواضعة لدراسة قادمة متوسعة في شعر هذا الشاعر .









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024