الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 12:31 م - آخر تحديث: 02:05 ص (05: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
كتب ودراسات
المؤتمر نت - الشاعر والناقد هشام سعيد شمسان
المؤتمرنت - الشاعر والناقد هشام سعيد شمسان -
قراءة الدهشة في مقامات العواضي*
(2-2)
••من ملامح الصُّورة الفنية في شعر "العواضي"
لا يخلو الخطاب الشعري أو الأدبي - على وجه عام - من الصورة الفنية ؛ لعدم قيام الرسالة الأدبية إلاَّ على الصورة.
وفي الشعر -خاصة – تكون الصورة هي مبتغى أساسيٌ للشاعر ، والقارئ على السواء ؛ إذ بها يقوم النص ، وعليها يتكئ الخطاب . فإذا كان الشعر كما يعرفه " جاكوبوسون " : في هو اللغة وظيفتها الجمالية . إذا كان الأمر كذلك ، فما الذي يجعلنا إذاً نقف أمام شعر موقف الاستحسان ، والابتهاج ، وأمام آخر نقف موقف الرفض ، والاستهجان بالرغم من وجود الصورة في هذا وذاك ؟
إن المسالة هنا لم تعد موضوع الصورة وحدها ، ما دمنا قد حسمنا بوجودها هنا ، وهناك ، بل يتعدى الأمر هذه المسلمة إلى تفاصيل تتعلق بنوع هذه الصور ، ومدى قوتها ، أو فاعليتها على نطاق وحدة النص الشعري ، والى أي مدى تحقق انسجاماً ، وترابطاً مع مدلولاتها ، وهل تتواءم مع الواقع الكوني للنص أم لا …؟ وإذا كان الأقدمون – من العرب – قد عنوا عناية فائقة بالصورة ، وقعّدوا لها ، وأخرجوا لها مخارج شتى تعد بالعشرات ؛ فإننا - وفي العصر الحديث - لم نعد نكتفي بما قدمه لنا علماء العربية وصارت الصور الفنية في شعر شعراء من نحو : امرئ القيس ، والأعشى وأبي نواس ، وأبي تمام … لا تروقنا كثيراً الآن ؛ لأن كثيراً من نحو تلك الصور أضحت مستهلكة ، ونحن إنما نبحث عن آفاق جديدة للصورة الشعرية ، تتواءم مع منجزات العصر الحديث ، وتنضاف إلى القديم بدليل أن مهمة النقد لم تعد قاصرة على التوقف عند مجرد الاستعارات، والكنايات ، والمجاز للحكم على الإنجاز الشعري ، بل أن الكثير من النقاد قد يتجاوزون كل ذلك ؛ متغافلين هذه التسميات إلى ما وراءها بتحليل النص استناداً إلى ما تشعه القيم الجمالية في النفس ، مع ربط ذلك ربطاً محكماً بالشاعر ونزوعه النفسي ، والوجداني . وقد أدى التوسع في أفق القصيدة الحديثة إلى اكتشاف حقول فنية جديدة ، كالرمز ، والقناع ، والانزياح ، وكلها قائمة على التخييل باعتباره " القوة التي تنقل المدركات إلى الصور ، وهذه الصور - في الفن - لا تطابق الواقع
حرفيا ، لكنها لا تناقضه كذلك "(5)
وإذا كانت الصورة في الشعر شرطا أساسيا لشاعريته ؛ فإنها قد تكون – كذلك – شرطاً لسقوطه ؛ بفضل استغلال كثير من الشعراء الحداثيين لمفهوم الصورة الشعرية ، وتحويل نصوصهم إلى معارض لهذه الصور ؛ بسبب من التتابع الشديد ، والسريع لتلك الصور مع فقدان الترابط لهذه الصور ؛ بما يجعل القصيدة مثقلة بالترهل ، والتعب ؛ فيعجز الشاعر عندها من نقل ما يريد. "فإذا كانت بعض الصور قد تفيد في تماسك القصيدة تماسكا فنيا جميلا ، لكنها - في الوقت نفسه - قد تدفع بالقصيدة نحو الاتساع المرضي - بفتح الراء - الذي لا وجود فيه لرؤية الفنان الشاعر "(6 ) فهل مثل هذا - الأخير - يمكن أن ينطبق على شاعرنا ؟ لقد وجدت صعوبة كبيرة ، وأنا أحاول أن أبحث عن نحو هذه الصور في ديوان " مقامات " لأخرج بثغرة إلا أنني بؤت بفشل ذريع ؛ ذلك أن الشاعر - هنا - بدا واعياً ، ومدركاً بالحد الذي تقف عنده الصورة ، أو تتاليها ، وهو نضج فني على مسار الشاعرية التي تبحث عن قارئ حقيقي يشاركها هذا الهم الذي ينوء به على مستوى الواقع ؛ ولذلك وجدناه ينزع إلى طرح أفكار شعرية ، واضحة المعالم ؛ ودون أن يسقط في ابتذال لغوي ، أو يتهاوى إلى الصور الفنية الجاهزة ، أو المستهلكة التراكيب ، واللغة ، أو تلك التي تحدث فراغاً قد يؤدي إلى تقريرية ممجوجة .
ولنمثل لذلك بهذا المقطع الذي قد يظنه البعض سهل الموالج :
" مرّ غيم الموت . اسراب الجراد . حجارة السجيلِ
بارود الحروب . ومرّ جوع الأرضِ
لم تمت الأرض . لم تمت المدينة .
رتلت صلواتها جهراً
تبسَّم وجهها المعجون بالتقوى .. (المقامات)
فقد بدأ المقطع باستعارة اسمية ( غيم الموت ) ، وهي صورة بسيطة ، قفّها ، وأتبعها بثلاث صور حسية متفرقة ( أسراب الجراد - حجارة السجيل - بارود الحروب ) ، وهي صور لا تمتلك مقوماتها الفنية إذا ما عزلت عن السياق ، بعكس " مر غيم الموت " التي يظل ماؤها بعد عزلها عن سياقها. ثم نقرأ أربع صور متتابعات هي ( جوع الأرض - تمت الأرض - تمت المدينة - رتلت صلواتها ) ، وجميعها صور بسيطة غير مركبة . وأخيراً تقابلنا صورة مركبة طويلة هي
( تبسّم وجهها المعجون بالتقوى ) .
واضحة المعالم لا تقع تحت مفهوم التتابع السريع ، والشديد ، ولكن قوتها التصويرية تتأتى من حركيتها ، وفيما تخلفه الصور الجزئية من ظلال . فإذا ما علمنا بأن الوظيفة الإرجاعية للنص مركزة على(صنعاء القديمة ، بما فيها سمسرة النحاس) وهي منطقة تاريخية ؛ إذا ما علمنا ذلك فقد تشكلت لنا الأجواء التي تحيلنا إلى أزمنة تاريخية مثارة شرطيا كلما دخلنا هذه المنطقة ، ولكنها أزمنة يتحكم فيها خيال الشاعر " الذي شكل المكان بواسطة اللغة المصورة على نحو قد يتجاوز قشرة الواقع "(7) بالنسبة لنا كقراء ، فـ: (حجارة السجيل " – مثلاً – لا ترتبط ارتباطاً مباشرا بـ: ( صنعاء القديمة ) ، ولكن ظلالها الخلفي يحيلنا إلى شخصية تاريخية ارتبطت بهذا الحدث ، وهي شخصية " أبرهة الأشرم الذي كان يحكم اليمن ، و " بارود الحروب " وإن كان تعبيرا مجرداً من الخيال ، إلا أن له ظلاً خلفياً يحيلنا إلى فترات من الحكم ، والاحتلال ، والمقاومة ، والاستعمار ، والتي شهدتها هذه البلاد في ازمنة مختلفة من التاريخ. وكل ذلك استوحاه الشاعر من هذه المدينة القديمة ذات تجلٍّ شعري. وكذلك نحن أمام الصور الجزئية الأخرى من نحو : مرّ غيم الموت / مرّ جوع الأرض / لم تمت الأرض / لم تمت المدينة ) : فأنها إلى جانب اعطائها لمدلولات بلاغية بعينها ؛ فإنها - كذلك - تحمل مواداً إيحائية كالقوة ، والأنفة ، والشموخ ، والبقاء ، والتحدي ، وتحمل الصورتان الأخيرتان مواداً روحية عابقة يتمازج فيها القديم بالحديث ، والتراثي بالنفسي ، ويمكن لنا أن نشرّح الصورة الأخيرة إلى صورة جزئية - بعناصرها اللسانية البسيطة - كالآتي:
( تبسَّم / وجهها / المعجون / بالتقوى / ) :
فالتبسم يحيلنا إلى رحابة صدر ، واتساع غير محدود ، كما يحيلنا إلى نيّة خالصة محضة تجاه الآخرين ، أما الوجه فهو ذلك الإنسان بملامحه ، وصفاته : حزنه ، ومرحه ، بل هو ذلك العالم الذي يسكن المكان الشعوري . ودال " المعجون " إحالة إلى نوع من التمازج ، والتعاضد ، والتكاتف ، والتسامح بحيث لا نميز شخصا عن غيره ، والتقوى إحالة إلى دلالة الإيمان بالغيب .
وإجمالاً يمكن القول بأن الشاعر قد يكثر أحيانا - من الصور البسيطة - ، ولكن دون أن يقع في فراغ فني. أو تتتابع صوره دون أن يجرَّ النص إلى الإنهاك ، والترهّل:
" وإذا الغيوم تعثرت ، والأرض ألقت ثوبها، وتفككت
ودنت رياح ، واستطال الليلُ
واضطربت خيول الشعرِ
واقترب المدى قلقا ، ولامست البروقَ الوجدُ
أقصى ما تخبئه القصيدة .
تقبض الأسماء ، تنشق السماءُ
كأن أبواب الغيوب تفتحت لترى
وجوم الكائنات وقد تثاقل في بكائي" (الخماسيات)
فها هنا تقابلنا صورة قصيرة ، وأخرى طويلة ، ومعظمها لم تزد عن كونها : استعارات مكنية نحو :
الغيوم تعثرت / الأرض ألقت ثوبها / تفككت / دنت رياح / استطال الليل / اضطربت خيول الشعر / ومن خلال هذا المقطع نكتشف شيئا جديدا هو: كيف أن الشاعر - أحيانا يراكم الصور القصيرة في تعابير متتالية ، ثم يفتح طريقاً آخر لتتالي الصور الطويلة . فنحو هذا المقطع نجد بأن الصور البسيطة تنتهي عند:"واضطربت خيول الشعر " لتتاح الطريق للصور المركبة ، و الطويلة ، والتي تبدأ عند قوله : " واقترب المدى قلقا " حيث تقابلنا هذه الصورة الطويلة نسبياً ، ثم تكبر الصورة التي تليها أكثر " لامست البروق الوجد أقصى ما تخبئه القصيدة " ..ومرة أخرى يعود الشاعر لفعل التراكم عائدا إلى الصور البسيطة في قوله : " تقبض الأسماء / تنشق السماء " .. ثم نراه ، وقد انتقل إلى صورة طويلة ممتدة كثيراً في قوله :
" كأن ابواب الغيوب تفتحت لترى وجوم الكائنات ، وقد تثاقل في بكائي " .. وإذا كان " التراكم " هو أحد عيوب النص الجيِّد ، فإن ذلك يعد جانباً فنياً في سياق نصيِّ أكبر ، يمكن للشاعر أن يتغلب عليه مادام يضع في حسبانه ذائقة القارئ ، الذي يبحث عن التدفق ، والانفعال ، بما يكفي لاثارته دون الوقوع في فخ الابتذال ، أو التناقض الذي يدفع إلى انحلال الصور ، بدليل أن نصاً من نحو " خماسيات الملك الضليل " ومنه المقطع السالف ، يمدنا بكثير من الصور الفارهة التي ارتبطت بتناصٍ مذابٍ ، ومتعالقٍ مع إحدى سور القران الكريم باستدعاء شيئين :
أولاها : الأجواء التي تصور نهاية الحياة ، وفنائها .
ثانيها : الإيقاع القرآني ، المستمد من أجواء السورة القرآنية .
وباستدعاء هذين الشيئين ، واخضاعهما للصورة الأساسية التي يقوم عليها بناء النص ، يكون الشاعر قد مزج بين صورتين كبيرتين : أولاهما شعرية محضة ، والثانية : صورة ظلالية منعكسة عن القران الكريم واشتركتا معا في إيحاء الرعب ، والفزع ، واللاجدوى . مع الفارق في أن الصورة القرآنية حتمية التحقق : حسياً ، وعقلياً ، بينما تخضع صورة الشاعر إلى عقليتها ، أكثر من حسيتها.
••المعجم الفني في شعر العواضي
سنحاول من خلال المعجم الفني ، أن نحدد أهم الخصائص العامة للصورة الفنية في شعر العواضي ، وذلك بإحصاء أكثر الصور ظهوراً ، بحيث لوحظ بأن أهم تلك الخصائص التي تطغ على ما سواها من العناصر الألسنية اثنتان :
•• الأولى : الحزن وما في حكمه .
••الثانية : الحلم وما في حكمه .
فعلى مستوى الصورة الأولى نجدها تكررت لـ : (ست ، وثلاثين) نورد منها هذه الحقول :
"حزنك شاهق / يكاد حزنك أن يضئ / آهة اليتامى / حزني واضح / تعبت شجوني / نرسم آهة / بيد الشجون / توؤله الشجون / فاكهة البكاء / انخ شجونك / حزن عاقر / ضجة الآهات / مرّ على بكائي / الآهات خلفي / بيرق الأحزان / اصعد شجونك / سيقرأ حزننا / قلق الشجون / تصعّدت اشجانه / سلم الأشجان /حزن مشمس / طرق الأسى / كثيف الحزن / أخذ من الحزن / تجاعيد البكاء / خبأت حزني ……الخ "
• وعلى المستوى الآخر ، وهو " الحلم ، وما في حكمه " فقد تكررت هذه الخصيصة الألسنية مخيَّلةً : ثلاثين ، مرة على وجه التقريب ، ومنها هذه الحقول الفنية :
" الأحلام عارية / صوت الأماني / أقصى الحلم / حلم قاحل / حلمي في أقاصي الروح / خيام الحلم / خبأت الأماني / حلم غامض / أيها الحلم / الأماني التي ذبلت / لتحيا الأماني / نكد الأمنيات / قاع أحلامنا / الأحلام فاتحة / بساط الحلم /حلم يخط على زجاج الروح / يترتب الحلم / لنزرع الأحلام / قواقع الأحلام / حلم نحيل / نقشت من الأحلام / جيدَ أمنية / أحلامهم سلما / تراب الأماني / مهرجان الأماني / الحلم آهات ….الخ "
وعلى نحو ( ما ) نجد ثمة تحالفاً شفافاً بين صورتي "الحزن ، والحلم ". حيث تجتمعان معاً في سمة تبادلية حميمية ، فالحزن يمد صاحبه - عادةً - بالحلم كتسلية له ، وتخفيف من شدة الحرقة ، والحلم له طرفان أحدهما متطلع ، وطامح ، والآخر ناتج عن حالة وجدانية حزينة تدفعه إلى هذا الحلم ، فهذا الآخر يغذي الحزن ويخفف عنه وطأته . وقد بدت الصورة الأولى أقوى سيطرة : سواء على حقل التكرار ، أو الواقع الذي دخل إليه الشاعر بنصوصه ، ولو كانت صورة " الحلم " قد سيطرت على " صورة " الحزن " لكنا قد حكمنا على الشاعر بمبالغته في الشعور المثار ، بدليل أن " الحلم " أحد عناصر الحزن في أحد معانيه لا العكس.مع ملاحظة أن مفردات من نظير " الحزن ، والحلم " تكررت معجمياً أكثر مما ذكرنا ، ولكننا هنا معنيون بالصورة الفنية التي تتشكل من المفردة القاموسَّية ، بأخذها مع ما تحمله من معنى هامشي ، لا معنى حقيقي ، مجاله المعجم القاموسي للشاعر ، لا المعجم الفني الذي نتدارسه .
•• من ملامح الإيقاع وهندسة الصوت في شعر"العواضي
يعد الوزن الشعري أحد الوسائل " التي تمكن الكلمات من أن تؤثر في بعضها البعض على أكبر نطاق ممكن"وهو- أي الوزن - يهدف إلى" زيادة الحيوية ، والحساسية في المشاعر العامة "(8) وعلى هذا التعريف هل يمكن لنا أن نقول بأن الوزن هو نفسه" الإيقاع " ؟
لقد عرف النقد العربي " الوزن " ولم يعرف " الإيقاع " كمرادف للوزن الذي يعرِفُون . وفي النقد الحديث نجد عدم اتفاق على ماهية هذا الأخير ؛ فمنهم من يتعرض له بعدم فصله عن مفهوم الوزن ، ويعدهما واحداً. ومنهم من يعده شيئا ، مصاحبا للوزن ، أو ناتجا عنه بإحداث نغمة معينة تثير حساسية قارئ الشعر .
أما دعاة النص " المرسل أو " قصيدة النثر " - كما يحب أولئك أن يسموها - فإنهم يذهبون في تعريف " الإيقاع " كل مذهب : فهو : ما يحدثه النص من تأثير للقارئ ، أو هو أصوات معينة يرتكز عليها النص النثري (النبر) ، ويقول الدكتور حاتم الصكر بأن الإيقاع في " قصيدة النثر " لا يمكن الاستدلال عليه إلا من خلال القراءات المتكررة للنص(9) ، وهو تعليل اعتباطي لا يمكن التعويل عليه ، ولا يعني إلا " سوء الطالع الذي تورطت فيه دولة الشعر العربي في هذا العهد الرديء "(10) وإذا ما عدنا إلى التراث العربي النقدي نجد أننا إزاء نوعين من الإيقاع : أولاهما " الوزن " المعروف ، وثانيهما : ما عرف بـ(التماثل) وهذا الأخير يقع على مستوى الألفاظ المفردة بـ( تشابه العناصر ، وتجانس الأصوات ، أو تكرارها )
- من نحو قول شاعرنا العواضي : " فتش فيه عن حلم نحيل باسق ، شجر ، سماوي لطير الشعر .. " فالأصوات الأخيرة في : " نحيلٍ ، باسقٍ ، شجر ٍ، سماويٍ " متجانسة ، مما أعطى إيقاعاً خاصاً لهذه المفردات.
- ونحو ذلك قوله : " حدق العيون ، ترابها المكنون " حيث نلاحظ تشابه العناصر ، وتقارب الأصوات في:" يون / نون" ، ولنلاحظ الإيقاعات المفردة القائمة على المماثلة في هذا المقطع القصير :
" تمر على الفقراء المساكينِ
والشهداءِ المسنين ، والخطباءِ الطغاةِ
وتبكي على بلد متعب في العراءِ
حيث نجد مماثلة في الألفاظ " الفقراء / الشهداء / الخطباء / (بكسر الحرف الأخير) وكذلك في نحو " بلد / متعب " (بكسر الحرف الأخير) ونحو هذا التشابه سواء كان تشابه مجانسة ، أو مماثلة يعطي إيقاعاً يغني النص ، ويفيض عليه بالحساسية إلى جانب إيقاع الوزن المركب.ونحو إيقاع الماثلة قد يعتمد عليه بعض من يكتب " النص المرسل " ليخدع به القارئ ، ويوهمه بحضور الإيقاع الوزني . ومن كل ما سبق نحدد الإيقاع بأنه ما ينتج عن أحد شيئين :
•• الأول : البحر ، أو التفعيلة
•• الثاني : المماثلة الناتجة عن تجانس ، أو تشابه عناصر صوتية معينة في النص ، مما يعني أننا نرفض مفهوم " الإيقاع " ؛ الذي يرادف " الوزن " بدليل أن ثمة نصوص حديثة قد نجد فيها الوزن ، ولكننا- مع ذلك - لا نجد إيقاعاً محدداً نحو قول البياتي :
" الكاتب المصري في جلسته مقرفصاً
يبحث في قنينة الحبر عن الدواءْ
يودع في برديه سر انتحار الشعراءْ
وذبول الوردة الحمراءْ
محدقا بعتمة الأرضِ
وبالضوء الذي ينـزف في الفراغ …."
………………….
فالإيقاع - هنا - لم يظهر إلا في : " الدواء / الشعراء / الحمراء / " ويدخل ضمن إيقاع المماثلة الناتج عن تشابه الأصوات ، أو تجانسهما. وبالرغم من صرامة الوزن في هذه القصيدة إلا أن الإيقاع
المصاحب للوزن لم يظهر ، مما يثبت أن " الوزن " ليس هو
"الإيقاع " ذاته .
وبتحولنا إلى ديوان " مقامات " نجد بأن قصائد الديوان تقع تحت مفهوم " ايقاع الوزن " الناتج عن التفعيلة لا البحر ، حيث تجرنا معظم النصوص إلى إيقاعات سخية فادحة الغنى كما في نحو :
" إن جثت الحركات لا مستفعلن يجدي
ولا بلد يحبك يا فتى
هذا رخام الشعر أوله معلقة وآخره
أقل من الهباء …." (إن جثت الحركات)
فإذا كان يصح أن نطلق على " الوزن " مفهوم " الإيقاع " فليجب أحد على هذا السؤال :
هل النغمة التي تنبعث من مقطع " العواضي " السالف ، هي نفسها المنبعثة من مقطع " البياتي " السابق وقد اتحد " الوزن " في كلا المقطعين؟.
•• لقد توقف " العواضي " في جميع قصائده أمام وزنين ، أو وحدتين وزنيتين أولاهما : تفعيلة الخبب (المتدارك) ، وثانيهما : تفعيلة " "الكامل " (متفاعلن) ، واحتلت الوحدة الأخيرة ما مجموعه ست قصائد من ثمان ، ابتداءاً من الثانية ، وحتى السابعة ، وبقي النص الأول ، والأخير من نصيب تفعيلة (المتدارك) : أي بأن الشاعر اعتمد كلياً على تفعيلتين في جميع قصائده ، ولكنه بالرغم من ذلك استطاع – بحذق – أن يسخّر هذين الوزنين لإيقاع اللغة ، والصورة معا ، فلم نشعر – مثلا – برتابة وزن " الكامل " ونحن نقرأ ست قصائد متواليات .لنقارن - مثلا بين المقطع السالف ، وقوله :
" الطير سارقة المعاني .
كلما حطت على صوتي : تكاثرت الدروب
وكلما ناديت : ينكسر الصدى صوت الأماني.."(الخماسيات)
ألا نشعر أننا أمام وزن آخر لا ينتمي للوزن السابق ، بل لنقل: ألا يجعلنا هذا المقطع أمام إيقاع يتباين عن إيقاع المقطع السابق؟
إذاً فقد نجح الشاعر في قتل رتابة الوزن من خلال تعدد " الإيقاع " في نصوصه المختلفة ، لنمعن فقط في : كيف أن بعض الحروف في هذا المقطع تتكرر بطريقة عجيبة : (الطير / حطت) : (صوتي / الصدى / صوت) محدثة حركة ، وتموجاً غريباً متداخلاً في أنسجة التراكيب المختلفة . وإذا كنا هنا إلى جانب الشاعر – مازلنا – إلا أننا سنؤجل ذلك الآن ونحن نواجهه بشيئين :
•• أولاهما : اعتماده على وزنين وحسب يحجِّم - بتشديد الجيم - من الفضاء الشعري ، والمطلوب من الشاعر الانسراب إلى الشساعة التي وفرتها بقية الأوزان ، بما تكثفه من إيقاعات سخية ؛ لأن في التعدد فضاء ينساح ، وتنوعاً إيقاعياً فادح الغنى . ولعلي أرجح ولع الشاعر بهذين الوزنين بسبب من الألفة لهما ؛ مما جعله يستأنس بهما أكثر من غيرهما ..
•• المسألة الثانية ، وتتعلق بالنصوص كجانب شكلي يتجه إلى نمط الكتابة الشعرية ؛ حيث يعتقد الشاعر بأنَّ نمط الكتابة الشعرية لديه فرضه النظام التدويري لهذه القصائد وليس هذا صحيحاً البتَّة ؛ لأن الكتابة الشعرية التي تعتمد نظام " التوازي " السطري كنمط كتابيّ لا تنطبق عليها تسميَّة الشعر المدوَّر " في كل الأحوال ، ولا يصح أن تنفرد بهذه التسميَّة لخطئها ؛ لأنَّ " التدوير" في الشعر حاضر علي مستوى القصيدة العموديَّة القديمة نحو قو الشاعر:
ولقد دخلت على الفتا
ة الخدر في اليوم المطير(11)
كما هو حاضر على مستوى الشعر التفعيلي ( التوزيع الحر) نحو قول محمود درويش:
" وفي شهر آذار تستيقظ الخيلُ
سيدتي الأرضَ
أي نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموجِ ، بعدي ..الخ "(12)
وثمَّة عشرات الأمثلة على التدوير الذي يقع في كل ، أو معظم قصائد التفعيلة ذات التوزيع الحر . وفي ديوان شاعرنا نجد كيف أنه قام باستغلال الجزء السفلي من الصفحات ، تاركاً الأجزاء العلوَّية لجميع الصفحات خاليةً ، وكان يكفي أن يقوم بتوزيع المقطع الواحد من الصفحة الواحدة على كامل الفراغ دون أن يخل ذلك بمفهوم " التدوير"
.إنّ أسطراً من نحو قوله:
(بشر كالحصى غسق حالك كالغداف . وخيط دم)
(مقبل في الفضاء . تمر على الفقراء المساكينِ والشهداءِ)
(المسنين،والخطباء الطغاة،وتبكي على بلد متعب في العراء)
أسطراً من نحو هذه ، هل ستخرج عن مفهوم " التدوير" إذا ماوزِّعت كالآتي:
" بشر كالحصى.
غسق حالك كالغدافِ
وخيط دم مقبل في الفضاءِ تمر
على الفقراء والمساكين.
والشهداءِ المسنينِ ، والخطباءِ الطغاةِ
ويبكي على بلد متعبٍ
في العراءْ" ] بشر كالحصى[
…………………
ولا خوف من دفق الجملة ، وتسلسلها مادام التدوير لم يختل. وفي هذا التوزيع ميل إلى عدم التكلف ، والتصنُّع ، أو التجريب الشَّكلي . وقد نعذر الشاعر إذا ما كان الهدف الوحيد من ذلك هو إضفاء نوع من التميّز ، والتفرّد ، على قصائده ، تبعاً لفرادة تجربته الشعرية بين زملائه الآخرين من الشعراء اليمنيين ، وعلى ذلك فلا غضاضة من الاستمرار في هذا النمط الشكلي من الكتابة الشعرية والمسماة بـ (التوازي ) لا التدوير ؛ لخاصية الأول ( التوازي ) ، وعموميَّة الثاني ( التدوير ).


الهوامش

*صدرديوانه الثاني"مقامات الدهشة"عن دارأزمنة،عمان،الأردن،ط ا،1999م
(1)- من قصيدة للناقد.
(2)- من قصيدة للشاعر المنقود.
3)- من قصيدة لـ( الشاعرة نبيلة الزبير).
(4)- قلتُ كبرى ، لأن الشاعر قسَّم النص في الديوان إلى سبعة مقاطع ( صغرى).
(5)- نوال الإبراهيم : فصول ع/6/1985م.
(6)- ابراهيم جنداري : اقلام ع/6/1990م
(7)- اعتدال عثمان : اضاءة النص ، ط: 1988م.
(8)- من مقولات " ريتشاردز " عن الوزن ، والشعر . المصدر غير متذكر .
(9)- انظر مجّلة أقلام ع (4)م : 5 ، 1990م
(10)- عبدالملك مرتاض : بنية الخطاب الشعري ط:1986م.
(11)- هو الشاعر: المنخل اليشكري : جاهلي.
(12)- من قصيدة الأرض للشاعر المذكور










أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "كتب ودراسات"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024