الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 08:43 م - آخر تحديث: 08:38 م (38: 05) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
صبحي حديدي - القدس العربي -
مالرو في سماء اليمن
في السابع من آذار (مارس) 1934 كانت طائرة فرنسية تحلّق شمال الربع الخالي وشرقاً صوب هضاب اليمن، تحمل راكبين يحملقان في الأرض بشغف ولهفة وانتباه شديد، وأمّا الطيّار القلق فقد امتقع وجهه وتسمرت عيناه علي مؤشر الوقود الآخذ في التناقص. كان الراكب الأول هو الأديب والفيلسوف والوزير الفرنسي أندريه مالرو (1901 ـ 1976)، والثاني هو الكاتب والضابط والسياسي الفرنسي إدوار كورنيليون ـ مولينييه (1898 ـ 1963)، وكانا في سماء اليمن يمارسان ما عُرف آنذاك باسم التنقيب الجوّي ، يبحثان عن مدينة سبأ. بعد أيام سوف تتلقي اليومية الفرنسية L'Intransigeant برقية من جيبوتي، بتوقيع كورينليون ـ مالرو: اكتشفنا مدينة سبأ الأسطورية. عشرون برجاً وهيكلاً ما تزال قائمة. علي الحافة الشمالية للربع الخالي. التقطنا صوراً خاصة بالصحيفة. مودّتنا .
شحّ المعلومات حول هذه الواقعة، خصوصاً في مدي صدقيتها الأركيولوجية، ظل يكتنف معظم الكتابات التي تناولت حياة مالرو، ما خلا استثناءات محدودة (بينها أطروحة دكتوراه لامعة في السوربون، للمغربي عبد العزيز بنيس). واليوم أصدرت جمعية مالرو الفرنسية كتاباً، بالإنكليزية، عنوانه البحث عن سبأ: مغامرة في جزيرة العرب ، كتبه والتر لانغلوا أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة وايومنغ الأمريكية، لعلّه المرجع الأوسع عن هذه الحكاية المثيرة. وبصرف النظر عن المآلات العلمية، كان جوهر الحدث يمثّل إضافة أخري عميقة إلي نواس مالرو الدائم بين قطبَيْ التجربة الإنسانية: الفعل والمخيّلة، والواقعي والعجائبي.
ليس دون بُعد سجالي، في الواقع، ينبثق من إشكالية شخصية مالرو ذاته، حتي حين تتوفر درحة قصوي من الإجماع حول هذه أو تلك من تفاصيل سيرته. وفي مثل هذه الأيام من العام 1996 اتخذ الرئيس الفرنسي جاك شيراك أبرز قراراته الرئاسية الثقافية، حين قضي بنقل رفات مالرو إلي مبني الـ بانتيون حيث يرقد عشرات من كبار رجالات فرنسا، من أمثال جان جاك روسو، فكتور هوغو، إميل زولا، وجان جوريس. كان القرار صائباً بالمعني الأخلاقي والثقافي، إذ لا يجادل أحد في السجلّ الحافل الذي تركه مالرو في ذاكرة فرنسا المعاصرة، بدءاً من نضالاته ضد النازية والفاشية في فرنسا وإسبانيا، وانتهاء بأدواره الحاسمة في تطوير الثقافة وضمان حرية المثقفين حين أسس وتولي أوّل وزارة ثقافة في عهد الجنرال ديغول. ومع ذلك فقد اختلف البعض حول مدي جدارة أندريه مالرو بالخلود في مبني البانتيون، وتلك مسألة تخص رؤية الفرنسيين لتاريخهم وأبطالهم، والمعايير التي تعتمدها المخيلة الرسمية والشعبية في إعادة تأهيل الفرد، في هذا الطور التاريخي أو ذاك.
ولكنّ الحديث عن مالرو ليس مسألة فرنسية صرفة تخصّ الفرنسسين وحدهم، فالرجل لم يكتب الكثير عن ثقافات الآخرين فحسب، بل دارت معظم أعماله حول الشرق (الصين والهند الصينية بصفة خاصة)، وهو بالتالي دخل في سياق كوني عالمي. وإذا كان من المؤسف أن تغيب الثقافتان الإسلامية والعربية عن نصوصه (رغم ترحاله في المنطقة، ومعرفته بثقافتها)، فإننا لا نعدم بعض الحالات المتناثرة هنا وهناك، مثل تلك النصوص الفاتنة عن اليمن وملكة سبأ، والقرار الشجاع الفريد الذي اتخذه حين أمر مدفعية ميناء مرسيليا أن تطلق 21 طلقة في استقبال تمثال الملكة زنوبيا القادم من سورية إلي معرض فرنسي. وبهذا المعني فإن المرء لا يستطيع تجاهل جملة حقائق أخري حول الرجل، تكاد تناقض علي طول الخط الصورة اللامعة الطاهرة التي يبدو عليها في العموم. أوّل هذه الحقائق أن الرجل لم يستطع الخروج من دائرة الإستشراق القاتلة، في معظم أعماله التي تتناول موضوعات آسيوية وتنطوي علي قيام مغامر أوروبي باختراق هذا الشرق المظلم ، لتنويره، وحمل عبء الرجل الأبيض وتنفيذ المهمة التمدينية الشهيرة. وكما هي الحال عند رديارد كبلنغ وجوزيف كونراد ولورانس العرب (الذين أعرب مارلو مراراً عن إعجابه الشديد بهم)، نحن أمام شرق مجرّد من التاريخ الفعلي، خاضع للفانتازيا والتنميطات التقليدية السحرية والجنسية، محتاج أبداً إلي الغازي الأبيض الذي سيتولي أعباء التمدين والتحديث والعقلنة.
وفي إغواء الغرب ، كما في أعمال مالرو الأخري مثل الدرب الملكي و الوضع البشري و الغزاة و مذكرات مضادة ، نقرأ شرق ألف ليلة وليلة دون سواه، ونتابع هلوسات أبطال مالرو حول الحريم والأميرات والسحرة والعفاريت والإبل (حتي في أعمق أعماق ومجاهل الغابات الكمبودية العذراء!)، وأكلة لحوم البشر. ولا يكاد الشرق يغادر صورته المتخيَلة الموضوعة في حالة دونية أمام الغرب، وصورته كمرآة لا غني عنها كي يري الأوروبي نفسه ويختبر معضلاته الميتافيزيقية في الأقاصي الكولونيالية. ويندر أن يظهر هذا الأوروبي في غير صورة السوبرمان النيتشوي، الذي يتغني بالقوّة العارمة وحدها، ولا يهمه أمر المجتمع في شيء كما يقول غارين بطل رواية الغزاة .
والحال أنّ هذا الكتاب الجديد لا ينصف مغامرة مالرو ـ كورنيليون اليمنية فحسب، بل يذكّرنا من جديد أنّ النزعة الإنسية العميقة التي اتصف بها مالرو لا تجعله غريباً تماماً عن الرهط الخالد الراقد في حجرات الـ بانتيون ، ولكنها كانت وستبقي نزعة إنسية متمركزة حول الذات الأوروبية، المغامرة والغازية والباحثة عن مآزق أقدارها في جغرافيات وتواريخ الآخرين.








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024