الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 03:47 م - آخر تحديث: 05:05 ص (05: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
قراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)
محمد "جمال" الجوهري
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
كتب ودراسات
المؤتمر نت -

المؤتمرنت -تأليف: نك ديفيز / عرض وترجمة: عمر عدس * -
صحافيون يفتقرون إلى النزاهة والصدق ويمتهنون الكذب والتزوير
ظل الناس فترة طويلة يعتبرون الأرض مسطحة، ويؤمنون بذلك باعتباره الحقيقة التي لا تقبل الجدل . واليوم، يؤمن ملايين من البشر في شتى بقاع الأرض، بما تمطره عليهم وسائل الإعلام في كل لحظة، وكأنه حقائق مطلقة، في حين ان نصيبه من الحقيقة لا يزيد على نصيب فكرة الأرض المسطحة .

هذه هي الفكرة التي تقف وراء عنوان الكتاب، “أخبار الأرض المسطحة”، أي الأخبار الزائفة التي تلبس زي الحقائق، تأليف الصحافي البريطاني نك ديفيز .
الكتاب صورة قاتمة عن واقع الإعلام العالمي، الذي يغلب عليه، في نظر المؤلف، الكذب، والتحريف والدعاية . وهو زاخر بالأمثلة التي توضح خلفيات كثير من الأخبار والتقارير، التي نشرت في العالم، وتكشف الزيف الكامن وراء هذه الأخبار والتقارير، وتفضح التضليل الذي مورس، ويمارس من خلالها .

مؤلف الكتاب، نك ديفيز، كاتب تحقيقات في صحيفة “الجارديان” البريطانية، نال عدة جوائز، وكاتب برامج وثائقية للتلفزيون إلى جانب تأليف عدة كتب .

والكتاب صادر عن دار “تشاتو آند ويندوس”، البريطانية .

يتحاشى الصحافيون الكتابة عن مهنة الصحافة، وعمّا يفعله زملاؤهم . هذه هي القاعدة التي يسير عليها الصحافيون في شارع الصحافة العريق في لندن،”فليت ستريت”، كما يقول مؤلف الكتاب، ويعني به بطبيعة الحال ان الصحافيين لا ينتقدون أبناء مهنتهم، فهم يشرّقون ويغرّبون في عالم السياسة والمال والرياضة والترفيه، وينبشون مثالب هذه العوالم بالتفصيل، ولكنهم يتجنبون نبش حديقتهم الخلفية في العادة .

والعرف السائد في عالم الصحافة، هو انعدام الأخبار عن عالم الأخبار، وغياب التقارير، عن كتابة التقارير الصحافية . ويضرب المؤلف مثالاً على ذلك، التقرير الذي نشره مراسل صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية في واشنطن، توبي هارندِن، في يناير/ كانون الثاني ،2007 والذي أورد فيه وصفاً نظرياً لعملية شنق صدام حسين، قبل حدوثها فعلياً بستّ ساعات، وقد رصّع تقريره بتفاصيل خيالية كان من الممكن ان تمرّ مرور الكرام، لولا تسرّب لقطات فيديو تصور عملية الإعدام وتكشف كذب ما ورد في ذلك التقرير . وقد اعترف هارندن بفعلته فيما بعد، واعتذر عنها في مدونته على شبكة الانترنت . ولكن عدوى هذه النزاهة الطارئة، لم تسْر إلى رؤسائه في صحيفة “التلغراف”، الذين سارعوا إلى حذف اعترافه من موقع المدونة، وأصدروا تعميماً إلى هيئة المحررين في الصحيفة يطلبون فيه من الصحافيين أن “يفكّروا ملياً قبل أن يكتبوا في مدوناتهم عن حيل المهنة الصحافية” . أي ان المهم في نظر ادارة تحرير الصحيفة، هو كشف أسرار المهنة، ولا يهمها الكذب والتزوير والاختلاق .

ويقول المؤلف، ان كتابه محاولة جريئة لكسر هذه القاعدة، والخوض في ظروف العمل الإعلامي ذاته . فيتحدث مثلاً عن تناول وسائل الإعلام أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية . ويقول انه عندما هدأ غبار الغزو سنة ،2003 وتكشفت شيئاً فشيئاً حقيقة عدم وجود مثل تلك الأسلحة، أفاق الصحافيون في أرجاء العالم، وبدأوا يبحثون أخيراً عن الحقيقة، ولكنهم جميعاً تقريباً، اعتبروا ما حدث، سوء تصرف من الحكومات واجهزة الاستخبارات وحدها، وتقاعسوا جميعاً عن فضح الدور العالمي الذي لعبته وسائل الإعلام، وما سطرته أقلامهم من أباطيل أثناء الحشد للغزو .

ولكن الكتاب، ليس مخصصاً لبحث موضوع أسلحة الدمار الشامل، كما يقول المؤلف، بل هو عمّا توصّل إليه، في معرض دراسته للطريقة المشينة، التي غطى بها الإعلام أضخم حدث في عصرنا الحاضر . ويقول المؤلف انه كلما أطال النظر، راعه حجم الزور والبهتان، والتحريف والتشويه والدعاية، التي تلوث هذه المهنة، التي يفترض بها ان تكون مكرسة لعكس ذلك تماماً .

ويتحدث المؤلف عن خبرته في مجال العمل الصحافي، فيقول انه أدرك بعد كل هذه السنوات، ان الصحافيين كثيراً ما يجانبهم التوفيق في ذكر الحقيقة . فثمة واقع في العمل الصحافي يصعب تحاشيه، وهو ان الصحافي مقيد دوماً بموعد نهائي يجب أن يسلّم مادته فيه قبل انقضائه، وهو ليس حراً في ان يطوف بقدْر ما يتطلب الأمر بحثاً عن الأدلة التي يحتاج اليها . وعليه فإن عمله يكون في أحسن الأحوال مشوباً بالخطأ . ولكن ذلك لا يعني إعفاء الصحافي من أي مسؤولية تحت هذه الذريعة، فهنالك أيضاً، بين الحين والآخر، سلوك مراوغ خطير يتفاعل في الخفاء وراء العناوين الرئيسية . ولا يدور الحديث هنا عن الأخطاء الفردية التي يرتكبها الصحافيون، فالأخطاء يمكن ان تكون نزيهة وغير مقصودة . ولا عن الأفراد من صغار النفوس الذين أساءوا إلى شرف هذه المهنة وسمعتها . بل عن كون جميع الصحافيين تقريباً، في أنحاء العالم المتقدم، يعملون ضمن ما يشبه القفص المهني الذي يشوه عملهم ويدمر نفسياتهم، على حدّ قول المؤلف، “انني أتحدث عن اضطراري أخيراً إلى الاعتراف بأنني أعمل في مهنة فاسدة” .

آفة القرن
ومن الأمثلة التي سردها المؤلف، ليرسم من خلالها الواقع الزائف الذي يقوم عليه الإعلام العالمي، ما يُسمّى “آفة القرن”، وهي الخلل الذي قيل في حينه، انه سيصيب أجهزة الحاسوب في العالم، عند انقضاء القرن، والدخول في قرن جديد، وما يترتب عليه من خطر على شعوب الدول المختلفة، نتيجة الاضطراب في السيطرة على كثير من مناحي الحياة، التي يجري تسييرها والتحكم بها عن طريق الحاسوب .
يصف المؤلف أجواء تلك الساعات التي سبقت منتصف ليلة رأس سنة ،2000 فكل ما تبقى أن تجنح الشمس للمغيب، وتجرّ وراءها رداء الليل لتبسطه على المعمورة، وعندما ينتصف الليل، وتدق الساعة، تموت الحواسيب في جميع دول العالم واحدة بعد الأخرى، ومع موت الحواسيب، قد تموت شبكات الكهرباء في العالم، والاتصالات، وموارد المياه، والشبكات الدفاعية، وتُمْنى شبكة الشرايين التي يسري عبرها نُسغ حياة المجتمعات الالكترونية بموت مفاجئ، هو المعادل التكنولوجي للنوبة القلبية . والصحافيون يعلمون ان ذلك سيحدث، لأنهم هم الذين دبّجوا المقالات والتقارير التي تنبأت به، هاهي آفة القرن، التي طالما تحدثوا عنها تأتي أخيراً .

إنها القصة التي وُلدت من رحم الصحافة والإعلام، فالصحف تتناقل أخبارها المطولة منذ سنوات، لا في صحف التابلويد وحسب، بل في أكثر الصحف والمجلات رصانة . في بريطانيا مثلاً،كتبت صحيفة ايفننج ستاندارد، ان أجهزة الإنعاش في المستشفيات، و999 خدمة أخرى في لندن، تواجه خطر الانهيار التام في الأول من يناير/كانون الثاني 2000 . وكتبت الديلي تلغراف، ان المرضى الذين يعالجون في مرافق الصحة الوطنية يمكن ان يفارقوا الحياة، لأنه لم يخصص وقت أو فكر كاف لمواجهة آفة القرن في هذه المرافق . وكتبت الجارديان، ان المصارف يمكن ان تنهار اذا أخفقت في استئصال آفة القرن من أنظمتها الحاسوبية . وكتبت الصنداي ميرور، انه قد يعقُب الانهيار الذي سينجم عن آفة القرن، فوضى وإرهاب وأزمة صحية . وكتبت الاندبندنت، قد تمحي جميع سجلاّت الرواتب التقاعدية في المؤسسات والشركات التي تعجز عن التكيف مع آفة القرن . ولا يقتصر الخطر على فشل الأنظمة والتسبب في الفوضى في المؤسسات التي تعتمد عليها، بل يتعداه إلى ان بعض تلك الأنظمة سوف تستمر في العمل، ولكنها ستسير على هواها . فقد كتبت الاندبندنت، ان آفة القرن قد تجعل أبواب السجون وأبواب الزنازين التي يتم التحكم بها بالحاسوب، تنفتح على مصاريعها . وكتبت التايمز عن استنفار حلف الناتو تحسباً من أثر آفة القرن على نظام الصواريخ الروسية، وقالت ان الحلفاء يخشون هجوماً من الشرق تشنه أنظمة أسلحة نووية مارقة .
ويُسهب المؤلف في سرد الأمثلة مما كتبته كبريات الصحف الأمريكية عن آفة القرن .

ولكن ما حدث، أو بالأصح، ما لم يحدث ليلة بدء القرن الجديد، بات معروفاً الآن للجميع . فلا سقطت طائرات من السماء، ولا انصهرت محطات توليد كهرباء، ولم تقتصر النجاة من آفة القرن، على البلدان التي قضت سنوات وهي تحصّن نفسها ضدها، بل والدول التي لم تحرك ساكناً استعداداً لهذه الآفة . . . وتبيّن أنه لم يكن ثمة أي ظل من الحقيقة في مئات الألوف من التقارير الإخبارية والموضوعات التوضيحية والتعليقات الواثقة، التي ظلت تزخر بها كل صحيفة في كل بلد في العالم، عبر سنوات كثيرة، والتي ظلت تطلقها الصحف ووسائل الإعلام، حتى قبيل انتهاء القرن بأربع وعشرين وساعة .

وكانت الحكومات التي حركتها تلك الأخبار، قد أنفقت ثروات طائلة من الأموال العامة . ولم تحقق شيئاً زيادة على الدول التي لم تنفق فلساً واحداً على الموضوع . وذكر الصحافيون ان الحكومة البريطانية قد أنفقت 396 مليون جنيه على الحماية من آفة القرن، وذكروا أنها أنفقت 430 مليوناً . . وأنها أنفقت 788 مليوناً . وأنفقت الحكومة الأمريكية أكثر من ذلك بكثير، فقد قال الصحافيون إنها أنفقت 100 مليار دولار، أو 200 مليار دولار، أو 320 ملياراً، أو 600 مليار، أو 858 ملياراً، ويعتمد الأمر على ذمّة الصحافي الذي يشاء القدر أن تقرأ له . ولكن مما لا ريب فيه، أن مبالغ طائلة قد أُنفقت . وبالإضافة إلى ذلك، نشأت في القطاع الخاص صناعة جديدة تبيع أدوات لمكافحة آفة القرن، كما أصدر الناشرون كتباً وأشرطة فيديو عنها، وباع سماسرة العقارات منازل مقاومة لآفة القرن، كما باعت بعض العائلات منازلها وهربت لتسكن غرفاً خاصة لكي تمنح نفسها فرصة النجاة من الفوضى التي ستخلفها الآفة .

ولكن شمس الأول من يناير/ كانون الثاني ،2000 أشرقت كما تفعل كل يوم، وانفضّ السامر، وانسل الصحافيون الذين روّجوا للفكرة، ومعهم مسؤولو الحكومات التي أنفقت الملايين، ورجال الأعمال الذين حصدوا أموالاً طائلة باستغلال الفكرة، على رؤوس أصابعهم، آملين في ألا يتنبه لانصرافهم أحد .

أخبار “الأرض المسطحة”

يقول المؤلف، ان حكاية آفة القرن، من الأخبار التي تشبه القول ان “الأرض مسطحة” . حيث تكون هنالك قصة تبدو في الظاهر صحيحة، ويتقبلها الناس على نطاق واسع على أنها صحيحة . ويصبح القول انها غير صحيحة، بدعةً وهرطقةً، حتى ولو كانت مرصعة بالكذب والتزوير والدعاية .

وأخبار الأرض المسطحة، أو الأخبار الزائفة، واسعة الانتشار إلى درجة انها تشكل في حدّ ذاتها موضوعاً لأخبار زائفة أخرى .

ويحاول المؤلف، البحث عن أسباب انتشار الأخبار الزائفة في وسائل الإعلام، ويشير إلى الفكرة التبسيطية السائدة، التي تقول ان كثيراً من الأخبار التي تظهر في وسائل الإعلام، يصنعها صحافيون فاسدون يشبهون الدمى الجاهزة للرقص على أي نغم يُعزف لها، دون اكتراث بقول الحقيقة . ويضيف ان مثل هؤلاء الصحافيين موجودون في الواقع، وهم كُثر . . دون أن ننسى وجود عدد كبير أيضاً من الصحافيين المخلصين، ولكنهم كثيراً ما يتقاعسون عن ذكر الحقيقة .

ويرى المؤلف أن محاولات تفسير ذلك، يخترمها الكذب والتزوير والدعاية . وهنالك استثناءات مشرفة، ولكن الانتقاد الشائع لوسائل الإعلام، مشوب بسوء الفهم إلى درجة كبيرة . ويقول المؤلف ان محاولات التفسير هذه تفشل لسببين . الأول ان العديد من منتقدي الإعلام يفعلون ذلك من خارجه، دون ان تكون لهم خبرة بدهاليز المهنة وخباياها . والثاني، وقوفهم عند الحدود الخارجية لنمط إعلامي سائد، يميل فيه بعض الصحافيين إلى رسم صورة للعالم، لا تعكس إلاّ مصالح الأثرياء والأقوياء .

هل هي الإعلانات؟

ويناقش المؤلف النظرية الشائعة، التي تفترض ان التغطية الإعلامية تأتمر بأمر أثرياء المعلنين، أو أنها على الأقل، مقيدة بسبب سعيها إلى كسب مودتهم . وتبدو هذه الفكرة منطقية بالنسبة إلى المحللين من خارج المهنة، فالمعلنون يملكون المال، الذي تتوق إليه وسائل الإعلام، ولذلك فلا بد ان تكون ضعيفة أمام بعض الضغط من المعلنين لكي تصف العالم بطريقة تناسب مصالحهم .
وهي نظرية متناسقة، تروق الراديكاليين من اليساريين على وجه الخصوص، ولكن نصيبها من الحقيقة والواقع محدود جداً، كما يقول المؤلف . . . صحيح ان هنالك أدلة على ان كبار المعلنين يستطيعون التأثير في بعض الوسائل الإعلامية الصغيرة، ولكن هذه النظرية لا تصمد لتفسير العيب الدائم الذي يعتري الإعلام العالمي، وهو نزعته الشديدة إلى الانحياز لمصالح الوضع الراهن .

ويقول المؤلف ان هنالك بعض الأمثلة على محاولات قطاع الشركات التأثير في الخط السياسي، أو خط التحرير العام في وسائل الإعلام، ولكن الأمثلة على النجاح في هذه المحاولات شحيحة نادرة . ويضرب المؤلف مثالاً شهيراً في هذا المجال : عندما هاجمت صحيفة الابزرفر البريطانية غزو السويس سنة ،1956 فقاطعها بعض المعلنين الموالين ل”اسرائيل”، احتجاجاً على ذلك، ولكنهم فشلوا تماماً في إقناعها بتغيير خطّها . ويزعم المؤلف، انه خلال ثلاثين سنة من العمل في الصحافة البريطانية، لم يصادف حالة أثّر فيها المعلنون على خط سير تحرير إحدى الصحف، بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

وتذكر هذه النظرية في صيغتها العامة، ان المنظمات الإعلامية تدرك ان المعلنين في الشركات والمصالح الكبرى، لهم مصالح سياسية معينة، ولذلك تسعى إلى ان يدعم ما تنتجه من مواد إعلامية الوضع الراهن خشية ان ترى دخلها الإعلامي يتضاءل . ويعترف المؤلف بوجود ايديولوجيا في الإعلام، الذي تكرّس وسائله دوماً، مجموعة ضيقة من الافتراضات الأخلاقية والسياسية التي يرى ان العالم يجب ان يدار بناءً عليها، ولكن المؤلف ينفي ان يكون المعلنون مصدر هذه الايديولوجيا . .

ويضيف المؤلف، ان بصمات الشركات والمصالح الكبرى، واضحة على التغطية الإعلامية للأحداث، ولكن الدوائر الإعلانية في وسائل الإعلام، ليست هي التي تُدخلها إلى غرف الأخبار . .

هل هم مُلاّك وسائل الإعلام؟
ويتعرض المؤلف لنظرية ثانية شائعة على نطاق واسع، في تفسير تردّي وضع وسائل الإعلام، وهي التي تقول، ان المشكلة تكمن في مالكي وسائل الإعلام، الذين يطلّون عليها من عليائهم، ويفرضون مطالبهم على المحررين المطيعين العاملين في مؤسساتهم . ويضيف المؤلف أن ملاّك وسائل الإعلام قادرون على التدخل، ويتدخلون فعلاً في عملية تحرير الأخبار والتغطية الإعلامية . ولكنهم لا يفعلون ذلك بالطريقة التي يظنها المحللون البعيدون عن أجواء المهنة .
فقد تغيّر الزمن الذي كان فيه بعض الأفراد المتعطشين إلى ممارسة السلطة يشترون الوسائل الإعلامية لكي يفرضوا توجهاتهم السياسية من خلالها، لأن ملكية وسائل الإعلام قد تغيرت، وأصبحت الصحف ووسائل الإعلام مملوكة لمؤسسات لا أفراد . وليس همّ هذه المؤسسات هو الدعاية، بل هو جمع المال . وقد جاء ذلك بمجموعة جديدة تماماً من الضغوط، التي يتجاوز أثرها مجتمعةً أثر تدخّل المالكين . وقوى النزعة التجارية هذه، هي التي تشكل أكبر عقبة تقف في طريق قيام صحافة تتوخى ذكر الحقيقة .

وتدخُّل أصحاب المؤسسات الجديدة أقل بكثير من تدخُّل أسلافهم من الملاّك المولعين بالدعاية . ولا يعني ذلك، ان هؤلاء الملاك الجدد أشدّ تقيداً بالأخلاقيات من أسلافهم . بل ان سبب محدودية تدخلهم: هو إدراكهم للأثر السيئ الذي قد يتركه تدخلهم في نجاح مشروعهم التجاري .

وقد أنتج ذلك في أحسن الأحوال، حفنة من ملاّك وسائل الإعلام المتعددة، الذين لا يتدخلون في الخط الذي تتبعه إدارة التحرير، ما دام الهدف الأساسي، وهو الربح وجمع المال، بخير .

كما أنتج ذلك في أسوأ الأحوال، ملاّكاً لمجمعات إعلامية، استمروا في التدخل، ولكن تدخلهم يختلف عن التدخل القديم، فهو أقل حدوثاً، كما انه يسمح بمدى مرن من النشاطات الايديولوجية ما داموا يحققون ما يصبون اليه من أرباح . وأوضح مثال على هذا النوع، كما يقول المؤلف، هو سلوك امبراطور وسائل الإعلام القوي، روبرت مردوخ، الذي يصفه بأنه رجل أعمال ناجح، وصحافي متوسط الكفاءة، ومتنمر مجرد من المبادىء حين يلزم الأمر .

ويقول المؤلف ان تدخل مردوخ وأمثاله يأتي على ثلاثة أشكال: الأول انهم يستغلون مؤسساتهم الإعلامية لبناء تحالفات مع ساسة، يساعدونهم على تسيير أعمالهم . وهم يستخدمون وسائل إعلامهم أدوات لتقديم خدمات سياسية، ثم يستخدمون تلك الخدمات لتعزيز مشاريعهم في عالم الأعمال . ولكن اهتمامهم بالمال أكبر من اهتمامهم بالسياسة . فهم يجمعون السياسيين ثم يتخلصون منهم كالنفايات، في ضوء تأثير ذلك على أرصدتهم .

والشكل الثاني لتدخل ملاّك مجمعات وسائل الإعلام الكبرى، هو انهم يفرضون إطاراً سياسياً على الوسائل الإعلامية التي يملكونها، ولكنه إطار فضفاض بالمقارنة مع ما كان يفعله أسلافهم من الدعائيين .

ولكن هذا الجيل من أصحاب من وسائل الإعلام المتعددة، يتجاوز في بعض الأحيان فرض إطار فضفاض، ويتدخل مباشرة في تغطية سياسية معينة، ويكون ذلك في العادة في أوقات يشتد فيها التوتر السياسي، مثل أوقات التحضير للانتخابات الوطنية، أو عندما تلوح في الأفق قضية سياسية حاسمة، مثل غزو العراق، الذي دعمته امبراطورية مردوخ الإعلامية في العالم كله .

والشكل الثالث لتدخّل ملاّك المؤسسات الإعلامية الجمعية، هو انهم يتدخلون بقوة عندما يبدو ان أحد منافذهم الإعلامية، قد يهدد مصالحهم في أحد المنافذ الأخرى . فعندما هاجمت صحيفة صنداي تايمز، التي يملكها مردوخ، الحكومة الماليزية بسبب الفساد في مشروع سدّ بيجاو، رأى مردوخ ان ذلك يهدد بصورة مباشرة، مشروع قمره الصناعي الآسيوي، ستار، فطلب من رئيس تحرير الصحيفة وقف الحديث عن ماليزيا، ثم أنهى خدمته من الصحيفة في ما بعد .

إذن، صحيح ان الملاّك يتدخلون، ولكن تدخلهم يصبح ميسّراً بقدر خنوع بعض هيئات التحرير في مؤسساتهم الإعلامية . وبعض المحررين يعارضون ملاّك صحفهم، ولكن الغالبية العظمى ترضخ للأمر الواقع .
ولهذا التدخل أثر تدميري عميق في الصحافة، حيث تجري مقايضة الحقيقة بالخدمات السياسية والفائدة التجارية .

والنقطة المهمة هنا ان ملاّك وسائل الإعلام الجمعي الجدد، قد حوّلوا أولويتهم من الدعاية إلى التجارة، وان هذا التحول بحدّ ذاته أوجد مجموعة جديدة تماماً من العقبات التي تعترض سبيل الصحافة التي تتوخى الحقيقة .

من الناحية التاريخية يأتي الخطر السافر على حرية الصحافة، أي حرية قول الحقيقة، من خارج غرف الأخبار؛ ويتمثل في الضغط الذي يمارَس من أجل التأثير في ما يُنشر . واعتادت الحكومات ان تفعل ذلك من خلال الرقابة الرسمية، وهي تعززه بحجب البيانات والأخبار، وفرض القيود القانونية، والتخويف الجسدي . وقد مارس ملاّك وسائل الإعلام ذلك أيضاً من خلال التدخل الدائم والمباشر . ويظل هذان الخطران قائمين، وإن يكن بطريقة أشد براعة ودهاءً مما كان في الماضي .

ولكن الخطر الأشد، الذي يشير اليه المؤلف ويحذِّر منه، هو الذي ينبع من داخل غرف الأخبار، والذي يكمن في الآليات الداخلية لمهنة تعاني من فساد شديد، كما يقول المؤلف، فلم تعد المشكلة مقصورة على منع النشر أو التصريح به، بل هي قائمة في مرحلة أبكر، في مرحلة جمع المعلومات وتمحيصها وإعدادها للنشر .
*عن الخليج الاماراتية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "كتب ودراسات"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024