الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 01:34 ص - آخر تحديث: 04:26 م (26: 01) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
كتب ودراسات
المؤتمر نت -

المؤتمرنت -تأليف: نك ديفيز / عرض وترجمة: عمر عدس * -
الإعلام الغربي يتحول إلى طاحونة للكذب والتزوير
ظل الناس فترة طويلة يعتبرون الأرض مسطحة، ويؤمنون بذلك باعتباره الحقيقة التي لا تقبل الجدل . واليوم، يؤمن ملايين من البشر في شتى بقاع الأرض، بما تمطره عليهم وسائل الإعلام في كل لحظة، وكأنه حقائق مطلقة، في حين ان نصيبه من الحقيقة لا يزيد على نصيب فكرة الأرض المسطحة .

هذه هي الفكرة التي تقف وراء عنوان الكتاب، “أخبار الأرض المسطحة”، أي الأخبار الزائفة التي تلبس زي الحقائق، تأليف الصحافي البريطاني نك ديفيز .

الكتاب صورة قاتمة عن واقع الإعلام العالمي، الذي يغلب عليه، في نظر المؤلف، الكذب، والتحريف والدعاية . وهو زاخر بالأمثلة التي توضح خلفيات كثير من الأخبار والتقارير، التي نشرت في العالم، وتكشف الزيف الكامن وراء هذه الأخبار والتقارير، وتفضح التضليل الذي مورس، ويمارس من خلالها .



مؤلف الكتاب، نك ديفيز، كاتب تحقيقات في صحيفة “الجارديان” البريطانية، نال عدة جوائز، وكاتب برامج وثائقية للتلفزيون إلى جانب تأليف عدة كتب .

والكتاب صادر عن دار “تشاتو آند ويندوس”، البريطانية .

يلتفت المؤلف مرة أخرى، الى حكاية آفة القرن، ليحللها، ويستخلص دلالاتها . فيقول ان العديد من المصادر التي تناولتها، فعلت ذلك بحسن نية دون شك، ولكنها جميعاً تشترك في صفة مدهشة حقاً، وهي أن أياً منها لم يكن يعرف الحقيقة . حتى المتخصصون في الحاسوب، الذين بدأوا القصة كانوا غارقين في ضباب من الشك . فهم ببساطة لم يستطيعوا ان يخمنوا حجم المشكلة . أما بقية المصادر الإخبارية الأخرى، فكانت تعرف أقل من ذلك .

إذن لماذا كان الصحافيون يكتبون أخبارهم ومقالاتهم؟ ان قول الحقيقة هو هدفهم الأساسي . فلماذا لا يفعلون ذلك؟ والنقطة الموحية هنا هي ان أحداً لم يأمرهم بأن يسيئوا رواية القصة . فلم يقم أي معلنين بابتزاز غرف الأخبار وإجبارها على نشر هذا الهراء . ولم يتدخلْ أي من مُلاّك وسائل الإعلام العديدة ويفرضْ هذه القصة على هيئات التحرير المطيعة . وبكل تأكيد، كان هنالك عدد غفير من المرتزقة المسرورين الجاهزين لاستغلال الموضوع في تحقيق أكبر قدر من الأرباح، ولكنهم لم يبدأوا الحكاية بأنفسهم أو حتى يتحكموا بها . فقد حلّق الصحافيون في أرجاء العالم، في أجواء رحلة خيالية عالمية، أقلعت بهم وخلفت وراءها بعض الحقائق المنسية التي لم يلتفت اليها أحد .

لقد انهمك الصحافيون في اللعبة، لأنهم - مثل مصادرهم - لم يكونوا يعرفون الحقيقة، رغم ان الحقيقة هي هدفهم الأساسي . وذلك أمر بديهي . أي ان الجهل هو أس إخفاق وسائل الإعلام . ففي معظم الوقت كان أغلب الصحافيين، لا يعلمون ما يتحدثون عنه . . فقد تكون أخبارهم صحيحة، وقد تكون خاطئة: إنهم لا يعرفون .

ويوضح المؤلف أنه لا يقول ذلك إهانةً لهم، فالصحافيون بوجه عام، مثل كل أصحاب المهن الأخرى، يحاولون أن يقوموا بعملهم على خير وجه . ولكن هذه المهنة أضيرت الى درجة ان معظم أفرادها، لم يعودوا معظم الوقت، قادرين على أداء عملهم . وهم يعملون ضمن بُنىً تمنعهم ولا ريب من اكتشاف الحقيقة . فمن الناحية التاريخية، كان هنالك دوماً، عنصر من الجهل في الصحافة، وذلك ببساطة لأنها تحاول ان تسجل الحقيقة كما تحدث . أما الآن فقد غدا الأمر أسوأ من ذلك بكثير، إذ انسحقت فضيلة النزاهة، تحت وطأة الانتاج الجمعي للجهل، كما يقول المؤلف .

نظرة قاتمة
والقصة الكاملة لفشل الصحافة الحديثة معقدة ودقيقة . وهي تتضمن كل أنواع التزوير، والتآمر بين الفينة والفينة، والكذب، والغش، والغباء، والجشع، والغفلة، وانعدام المهارة، وموجة جديدة من الدعاية المدروسة . ولكن القصة تبدأ مع الصحافيين الذين يقولون لك ان الأرض مسطحة، لأنهم يعتقدون بإخلاص أنها كذلك . وحجم ذلك يثير الفزع .


يقول المؤلف ان من الصعب قياس الحجم الحقيقي لأخبار الأرض المسطحة، فالحديث هنا يدور عن فشل وسائل الإعلام على المستوى العالمي، ولذلك فإن المشكلة أضخم من ان تقاس بأي قدر من الدقة . فهي تشبه نملة تحاول ان تقيس فيلاً .

ويتلمس المؤلف بعض العيوب الكامنة في آلية العمل الإعلامي السائد الآن، ويشكك في ان الإعلاميين من صحافيين وغيرهم، ينشرون ما جمعوه من مصادرهم، كما صرحت به تلك المصادر . ويسوق في هذا الصدد، نتائج الدراسة التي أجراها، أستاذ الصحافة في جامعة شمال كارولينا، فيليب ماير، والتي نشرها سنة 2004 في كتابه “الصحيفة الماضية في طريق الاضمحلال” . وكان ماير قد رجع في دراسته الى أكثر من 5 آلاف شخص، كانوا مصادر القصص الإخبارية في اثنتين وعشرين صحيفة محلية على مدى سنتين، لاستكشاف رأيهم فيما اذا كانت تلك القصص قد نُشِرت بصورة صحيحة ومطابقة لما صرّحوا به للصحافيين . ويقول ماير ان هذه المصادر ذكرت ان 21% من القصص التي نُشرت، كانت تتضمن أخطاء موضوعية بسيطة، مثل كتابة الأسماء بتهجئة خاطئة؛ و18% من القصص كانت تحتوي أخطاء رياضية (أي في الرياضيات)؛ و53% منها تحتوي أخطاء تتعلق بالحكم على الأمور من دون أدلة وإثباتات، مثل التحريف، والمبالغة والاستشهادات المسرودة خارج سياقها . وبجمع الأنواع الثلاثة من الأخطاء التي ذكرتها المصادر، خلص ماير الى وجود أخطاء في نحو 59% من القصص الإخبارية المنشورة، أي في قصتين من كل ثلاث قصص تمّ نشرها .

ويقول المؤلف، ان حجم الزيف في الأخبار على المستوى العالمي قد يكون بهذه النسبة وقد لا يكون، ولكن الدراسة تعطي فكرة عن حجمه الضخم .

ويأتي المؤلف، بأمثلة أخرى، ويدعو الى تأمل الأخبار الكبرى خلال تسعينات القرن الماضي . يقول إن أكبر خبر سياسي في العالم في تلك الفترة، كان الفضيحة التي أثيرت حول الرئيس بيل كلينتون . فقد نشرت وسائل الإعلام العالمية قصصاً اتهمته بالاحتيال في صفقة “وايتووتر”، واستيراد المخدرات عبر مهبط للطائرات في اركنساس، والتآمر لقتل صديقه فينْس فوستر . وكانت كل هذه الأخبار باطلة، كما يقول المؤلف . كما كان معظم التفاصيل عن سوء سلوكه الجنسي المزعوم باطلاً كذلك . فقد كان يلتقط هذه القصص ويروّجها صحافيون لا يعرفون ما هو صحيح، من أفواه السلسلة المألوفة من المصادر غير الموثوقة والتي لا تبتغي سوى مصالحها الشخصية . وبعد ان أدت الفضيحة مفعولها بما احدثته من أذى، تبيّن ان الادعاءات كانت في الأساس من صنع مجموعة من اليمينيين الذين عقدوا العزم على تدمير كلينتون، والذين استخدموا مجلة “سبكتاتور” الأمريكية لإقحام قصصهم، سواء كانت صحيحة أم باطلة، في وسائل الإعلام الجمعي . فقد طلع أحدهم، وهو دافيد بروك، أخيراً واعترف بدوره في المؤامرة . ففي مقابلة اذاعية، أجرتها ال “بي بي سي” مع بروك في اكتوبر/تشرين الأول ،2004 سأله المذيع: “هل كان الذين يروجون هذه الأخبار يعلمون انها كاذبة؟” . أجاب بروك: “لم يكونوا يأبهون بذلك” . قال المذيع: “ولم لا؟” .

“لأن ما كان يعنيهم هو أثرها المدمر” . . . ومع ذلك، مضى الإعلام العالمي في ترديد الحكاية .

ومن الأمثلة الأخرى التي يذكرها المؤلف، الى جانب قصة آفة القرن التي ثبت بطلانها؛ الأخبار التي ظلت تتحدث عن ازدهار شركة “دوت كوم” في أواخر التسعينات، حتى اللحظة التي انهارت فيها غارقة في الدين والفوضى؛ والنجاح الضخم لشركة الطاقة العملاقة انرون، حتى لحظة كشف حساباتها التي تبين انها كانت خرافة خيالية ضخمة؛ ومثلها قصة شركة “وورلدكوم”، حتى انهيارها ضمن أضخم حالة إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة .

الإعلام والإرهاب
ويتطرق المؤلف الى تعاطي الإعلام مع اسامة بن لادن وحركة القاعدة . فيقول ان هذا الإعلام أمضى الشهور العشرين الأولى من القرن الجديد، من دون ان يتطرق الى ذكر خطر أسامة بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 . ويذكر المؤلف ان توم فينتون، أحد كبار مراسلي شبكة “سي بي اس نيوز”، يصف في كتابه “أخبار سيئة”، كيف حاول خلال هذه الفترة مراراً ان يحصل على أخبار عن ابن لادن على الهواء، ولكنه كان يواجَه بالصّدّ في كل مرة . وذلك رغم الاعتقاد في ذلك الوقت، بأن ابن لادن كان مسؤولاً عن سلسلة من الهجمات الشرسة، بما فيها الهجمات على سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا سنة 1998 . وفي هذه الشهور التي سبقت 11 سبتمبر/ أيلول، لم تُذكر القاعدة، كما يقول فينتون، في النشرات الإخبارية المسائية لأي من الشبكات الإخبارية الرئيسية الثلاث في الولايات المتحدة ولا مرة واحدة . وفي تلك الفترة ذاتها، وصل إلى صحيفة “نيويورك تايمز” شريط فيديو، يهدد فيه اسامة بن لادن علناً باستخدام العنف . وقد كتب أحد كبار المحررين في الصحيفة مقالة عن ذلك، عنوانها “على شريط فيديو: ابن لادن يتوعد بالعنف” .

وقد نشرت الصحيفة المقالة على موقعها على شبكة الانترنت، الذي لم يكن يحظى في ذلك الوقت بعدد كبير من القراء، ولكن المقالة لم تنشَر أبداً في الطبعة الورقية للصحيفة . والسبب ان الصحيفة لم تكن تعرف أنها مهمة .

ولكن الارهاب، بعد الهجمات على الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول ،2001 غدا بدوره الخبر الرئيسي في العالم كله، وانطلقت وسائل الإعلام، في سيل من “أخبار الإرهاب الخاطئة” .

وكان بعض هذه الأخبار عن “لا أحداث”، مثل التحذيرات الكاذبة من هجمات ارهابية متوقعة في الولايات المتحدة في خريف 2001: في 20 سبتمبر/ أيلول (“عمليات اختطاف طائرات نهاية الأسبوع”)؛ 22 سبتمبر (“بوسطن هي الهدف التالي اليوم”)؛ 27 سبتمبر (“شاحنات ملغمة بالقنابل في مدينة نيويورك، قريباً جداً”)؛ 6 اكتوبر/ تشرين الأول (“هجوم ضخم متوقع جداً في المستقبل القريب، مؤكد 100% بعد غزو افغانستان”)؛ 12 اكتوبر (“المزيد من الهجمات متوقع بشدة في الأيام العديدة القادمة”)؛ 30 اكتوبر (“تهديد مؤكد ومحدد بشن هجمات خطيرة في الأسبوع القادم”)؛ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني (“تهديد مؤكد بشن هجمات على الجسور المعلقة في كاليفورنيا في الأيام الخمسة القادمة”)؛ 4 ديسمبر/ كانون الأول (“تحذير عام من هجوم وشيك”) . وكانت كل هذه التقارير، مثل الكثير غيرها مما نشر في الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول العالم، خاطئة، تضخها في وسائل الإعلام مصادر رسمية، إمّا لا تعرف الحقيقة، بصدق وإخلاص، وإمّا انها لا تكترث بالحقيقة، وكل ما تبتغيه تحقيق بعض المنفعة السياسية .

وكان بعض أخبار الإرهاب الخاطئة قصصاً محبوكة، حول اعتقالات المشبوهين، بمن فيهم الرجال الثلاثة من لايكستر، الذين قيل انهم كانوا يخططون لمهاجمة السفارة الأمريكية في لندن، بطائرة عمودية تحمل قنابل (وقد أُطلق سراحهم من دون توجيه تهم اليهم، وتم تسليمهم للسلطات في دائرة الهجرة)؛ والسويدي الذي قيل انه كان يخطط لمهاجمة إحدى السفارات الأمريكية في اوروبا (والذي قال المدعي العام السويدي انه لا دليل على وجود مثل تلك الخطة لديه)؛ الرجال الثمانية من مانشستر الذين قيل انهم كانوا يتآمرون لتفجير ملعب كرة القدم في نادي مانشستر ينايتد (والذين أُطلق سراحهم من دون أي تهمة)؛ والرجال الستة في لندن الذين اعتقلوا للتخطيط لهجمات بمادة الريسين (والذين تمت تبرئة خمسة منهم من أي نشاط اجرامي، واتهم السادس بالتآمر لإقلاق الجمهور”، ولم يُعثر على أي شيء من مادة الريسين)؛ والرجال الثلاثة الذين قيل انهم كانوا يخططون لهجوم بمادة السيانيد على قطار الأنفاق في لندن (ولم يُعثَر على أي دليل على مثل تلك الخطة) .

وبلغ هذا النوع من أخبار الإرهاب الخاطئة، ذروته في يوليو/ تموز ،2005 بعد تفجير حافلة في لندن وثلاثة قطارات . وقد أمضت الصحف البريطانية عدة أيام وهي تلقي مسؤولية الهجوم على جهات مختلفة، مثل “ارهابيين مرتزقة بيض” (صحيفة الاندبندنت)، و”خلية ارهابية اسلامية مقيمة خارج البلاد” (صنداي تلغراف)، قبل اكتشاف ان مفجري القنابل الأربعة مولودون في بريطانيا . وذكرت صحيفة التايمز، ان “مفجري القنابل في ساعة ذروة الازدحام أحياء ويخططون لهجوم آخر” قبل ان تعترف بأنهم، في الحقيقة، قد قُتلوا جميعاً . كما حددت صحف لندن أربعة “عقول مدبرة” وقفت وراء المؤامرة؛ وحذرت من ان ارهابياً خامساً لا يزال طليقاً (ديلي ميل)؛ وبعد المحاولة الفاشلة لتفجير المزيد من القنابل بعد اسبوعين من ذلك، حذرت الصحف من ان خلية ثالثة طليقة (صنداي تايمز) - وكانت كل تلك الأخبار تتناقض مع التحقيقات اللاحقة التي أجرتها الشرطة وأجهزة الاستخبارات .

وفي أثناء ذلك، حدثت بعض الهجمات الحقيقية في أنحاء العالم في الشهور التي تلت مذبحة سبتمبر/ أيلول 2001 . وفي أوائل سنة ،2002 أصبح احتمال غزو العراق للتعامل مع هذا الخطر الخبر الرئيسي في العالم . وقد بدأت الحكاية، التي باتت معروفة الآن، بتقديرات حذرة لخبراء الاستخبارات، تبين انها خاطئة . ولكن هذه التقديرات التُقطت وبولغ فيها من قبل الساسة والمنفيين العراقيين الذين كانت لهم مصلحة في تأييدها . وزاد انتشارها أكثر بفضل الساسة والخبراء الذين لم يكونوا يعرفون شيئاً حقيقياً عن الأسلحة العراقية . وراحت وسائل الإعلام العالمية تردد هذه التقوّلات . وقد أجرى البروفيسور جوستين لويس من جامعة كاليفورنيا، على سبيل المثال، دراسة لتقارير الأخبار الإذاعية في فترة التحضير لغزو العراق، فوجد ان 86% منها كان يفترض ان العراق كان يملك مثل تلك الأسلحة، وان 14% منها، سجلت بعض الشك في وجودها .

وعلى الرغم من ذلك الفشل الذريع، انزلق الصحافيون بسهولة في تكرار العملية ذاتها في تقاريرهم التي تقول، ان ايران تخطط لإنتاج اسلحة نووية . وفي أثناء ذلك ظلت الحكومة الايرانية تؤكد ان هدفها الوحيد هو توليد الكهرباء، لا صنع الأسلحة النووية . وظل الصحافيون في العالم المتقدم يهاجمون ذلك الموقف، ويرددون من خلال المنافذ الإعلامية المطبوعة والمسموعة والمرئية ادعاءات غير مؤكدة، أطلقتها مصادر الاستخبارات ذاتها، وساسة المحافظين الجدد ذاتهم، الذين كانوا مخطئين تماماً بشأن الأسلحة العراقية .

السكوت والإهمال

يشير المؤلف الى جانب آخر من مثالب الصحافة السائدة في العالم في الوقت الحاضر، فبعد ان تحدث عن التحريف والتلفيق والكذب والتضليل، يتحدث عن جانب آخر، وهو إهمال قضايا أساسية يجب تغطيتها إعلامياً والتركيز عليها، وتوعية الجماهير بشأنها .

يقول المؤلف، ان الأمم المتحدة نشرت في مايو/ أيار ،2006 قائمة بما اعتبرته أهم عشرة موضوعات قصّرت الصحافة والإعلام في العالم في تغطيتها، وهذه الموضوعات هي: النتائج التي اعقبت تسونامي الذي ضرب بلداناً في المحيط الهندي في ديسمبر/ كانون الأول 2004؛ وحياة ملايين اللاجئين الاقتصاديين الراحلين بحثاً عن عمل؛ والنقص العالمي في المياه وما يترتب عليه من نتائج سياسية؛ والعنف في ساحل العاج ؛ والأطفال في جميع أنحاء العالم، الذين يواجهون أوضاعاً تتعارض والقانون؛ ليبريا بعد انتهاء الحرب هناك؛ مسار العقبات القانونية التي تواجه طلاب اللجوء السياسي الحقيقيين؛ الانتخابات المستحقة في الكونجو في غمار حرب قتلت حتى الآن 8 .3 مليون شخص؛ الأطفال الذين يعْلقون وسط إطلاق النار المتبادل في الصراع في نيبال؛ أثر القحط في القتال في السودان .
ويضيف المؤلف الى هذه القائمة، قائمة أخرى من القضايا التي يجري تجاهلها في الصحافة العالمية، ومنها، على وجه التقريب: كل النشاط العلمي، وكل نشاطات اتحاد التجارة، وكل سياسات الاتحاد الأوروبي، وكل نشاطات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة الى:

التصاعد الشديد للفقر في العالم، منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، الذي وصل - حسبما ورد في تقرير أعده سنة 2002 خبير اقتصادي في البنك الدولي، هو برانكو ميلانوفيتش- حدّاً أصبح عنده 80% من سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر . وعلى مدى عشرات السنين، حيث تضاعف الاستهلاك العالمي للسلع، وجمع أغنى خمسة عشر شخصاً في العالم من الثروة أكثر ممّا لدى جميع دول جنوب الصحراء الافريقية، فإن متوسط الدخل في أكثر من سبعين بلداً من أفقر مائة بلد في العالم، انخفض، تاركاً الأمم المتحدة تقدّر ان مليار شخص “لا يستطيعون الآن حتى اشباع احتياجاتهم الأولية” .

- التوسع الهائل في الملاذات السرّية للتهرب من الضرائب، التي سمحت، سنة ،2003 للشركات البريطانية الكبرى، بتجنب دفع نحو 20 مليون جنيه استرليني في السنة، وهو المبلغ الذي يُفتَرَض أنها تدين به للحكومة . وفي ذلك الوقت، قدّر خبراء البنوك ان ثلث إجمالي الناتج المحلي في الكرة الارضية برمتها، يصب في حسابات مصرفية خارج بُلدانه، كما قدّرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ان 60% من التجارة العالمية يتكون من تحويلات تتم ضمن شركات متعددة الجنسيات، تمرر تحويلاتها الى شركات فرعية مجهولة في مناطق معفاة من الضرائب، بينما كان نحو ثلاثة ملايين شركة تتفادى دفع الضريبة، ببساطة لأنه ليس لها مالك محدد .

- معظم، إن لم يكن كل الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية الداخلية لمعظم الأمم على الكوكب- وليس فقط الفقراء فقراً شديداً، بل كذلك أمم “العالم الثاني” مع أهميتها الاقتصادية والسياسية المتنامية، وحتى بعض الدول المتطورة مثل استراليا، وكندا ونيوزيلندا .

- تصاعد اللامساواة ضمن الدول المتقدمة، التي شهدت 95% من ال 1100 مليار دولار الإضافية التي ولّدها ازدهار الاقتصاد الأمريكي بين سنة 1979 و،1999 تذهب الى جيوب 5% فقط من السكان؛ كما يقول البروفيسور لويس واكوانت من جامعة كاليفورنيا؛ بينما في المملكة المتحدة ظل معيار اللامساواة الرسمي يرتفع بشدة، في كل سنة منذ ،1979 ويزيد عدد الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر من 7% سنة 1979 الى 30% سنة ،1997 وهو الرقم الذي بدأ ينخفض منذ ذلك الوقت .

ويقول المؤلف، ان الحذف أو التجاهل، هو اقوى مصدر للتحريف الإعلامي . وكونه يحقق التغطية الأكثر هامشية في الإعلام العالمي، مهم بقدر أهمية الأكاذيب التي تزرع في تلك الأخبار التي تجري تغطيتها . ويمضي هذا الكذب والتحريف ليدخلا في سياسات الحكومات .
عندما يتوقف المرء ليتأمل حجم كل ذلك، من تغلغل الكذب في أسس فكرنا الجمعي؛ بناء الكثير من النشاط على قمة تلك الأسس الزائفة ؛ المال، الوقت، والطاقة التي تصرف فيها؛ الإهدار الصِّرف للفرص . . يرى نوعاً من الجنون، نوعاً من المجتمع المضطرب الذهن، الذي بدأ يفقد الاتصال بالواقع والحقيقة، ويؤمن بخيالاته وأوهامه . واذا استطعنا ان نثبت ان هذا يجري ترتيبه من خلال مؤامرة خبيثة، فسيكون ذلك انفراجاً عظيماً لأننا نستطيع عندئذٍ ان نطيح بالمتآمرين ونشفي من المرض . ولكن ما يجعل هذا مفزعاً ان هذه المجموعة من المضطربين عقلياً هي الآن المولود الطبيعي لصناعة المعلومات لدينا .
*نقلا عن الخليج الاماراتية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "كتب ودراسات"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024