ربيع : تيتانك !! كان صادق الأحمر متأثراً بحشد من مشائخ "حاشد" الذين يسعون إلى خلع مشيخته المستحدثة منذ حاجة العثمانيين لمشائخ من صناعتهم . ينفذون أوامرهم و يخونون و يسلحون مصالحهم . و على الفور .. ظهر صادق الشهير باللمبي – لشدة شبهه بالكوميدي المصري محمد سعد – على صحيفة الخليج الإماراتية ليتحدث عن سحب الحصانة عن الرئيس السابق ..!! مفاجأة الخلع و الإقصاء متجذرة في حقيقة البعد الشخصي لاستغلال حاجة الناس للتنمية الشاملة و الحكم الرشيد و قد أتت على وطن يئن بكل فوضوية من جور الفساد و تعميق الأسى و اليأس في شعب طويل تمدد في بقاع الأمة و سنواتها المحتقنة بالصديد الذي تفجر في يوم واحد . و حين تفجر .. تناثرت معه رؤوس الأزمة .. و سعى كل طرف بحماس إلى تنكيل الآخر .. ينتظر هذا الفتك بذاك .. و لما جاءت رياح البوعزيزي المحترق من جبال تونس الشاهقة .. تحركت رياح التغيير محددة سيرها و مسيرتها . مصر – ليبيا – البحرين – اليمن و سورية .. و في اليمن .. كانت المفاجأة .. و أما سورية فلذلك قصة اخرى . .. فكرة الربيع العربي .. تتمحور في بريق التسمية .. ربيع بعد شتاء طويل .. فكرة مغرية لجيل شاب .. مخدوع بالهيمنة الأميركية المفتوحة .. و لأجله صنعت الدولة الأخطر في تاريخ البشرية عوالم من الأصنام و الرموز .. حركتهم سوياً و جميعاً .. بأدوار مختلفة .. كان هؤلاء الشباب بحاجة إلى وطن آخر .. جيل من سبقهم جاثم .. لا يريد أن يتزحزح .. و هم يبحثون عن دور .. عن قضية عدالة .. و حياة و كرامة . كل البريق تم إقامته إعلامياً .. و اجتماعيا و دينيا و اقتصاديا .. و الاهتمام بالتفاصيل وترتيب الأدوار بعناية .. تسجيل اللقطات الخاصة بدقة و تركيب الصوت و الآهات و المساحة العريضة للحزن من أجل تحريك مشاعر الأمة . .. اعتمد الربيع على قسوة ردة الفعل المتوقعة من أنظمة الشيخوخة العربية .. و بالتالي تم استدراجهم إلى موقع المصيدة .. كان الجنود يقتلون أبناء جلدتهم و مواطنيهم .. ثار الغضب .. تزلزلت الكيانات .. انهارت الصفوف .. و في ليبيا كان القذافي أقسى من تعالى .. و أفظع من تحمل عبرة الله في أرضه و ملكوته . و سورية .. كان لله إرادة أخرى .. مصر أيضا .. و كذلك تونس .. و اليمن غلب على بعضها طابع الحكمة .. و لكن يُـشاء لنا أن نطحن بعضنا حتى نصير أديماً منثور .. و نبكي على ثكلانا فلا نجد من يبكينا بعدهم .. و هذا ما تنبه له جميعنا .. لكن فكرة النسخ و اللصق لموكب ربيع عربي بقيادة جثة هامدة .. بلا راس أو وجه أو معالم .. غارت في الوعي مشاكل التحديد .. من هذا المسخ ؟ ما هذه الثورة .. و بالصبر .. تمكنت الإرادة اليمنية من الالتفاف على غضبة الربيع و قسوة الإقصاء و شهوة تقديم أبناء البسطاء إلى محارق الموت .. فانهارت إحدى عوامل النصر الثوري المزعوم .. فجأة .. و ها هي تحاول بكل إرادتها الخارجية .. و بسيناريو السلمية .. و قصص الرواة و تنسيقيات الثورة و اتحادات الغضب و الثأر و المحاكمات إلى التحكم بقيادة البلد .. بفعل إدارة رجال خفيون يصنعون مصير شعب و أمة و يصلون إلى شرق أوسط آخر .. و في الطيش نزق جديد .. ملامح شباب .. يغضبون لأنهم بلا وظائف .. بلا مستقبل واضح .. و هم مُـلزمون لنفاق أبناء صانعي ثورة الماضي في ربيعيات القومية الشائخة .. فكان الصراع الحتمي .. الدم .. محرك الثورة .. وقود الأزمة .. و بصورة مكثفة إعلام واحد فقط يُـغطي مأثورات الضحايا الحزينة .. و بسرعته الخاطفة يأخذ لُـب و ضمير أمة لا تسكت .. فتخرج غاضبة بلا وعي .. و تنساق في مؤامرة الصناعة الثورية عديمة الهدف لإسقاط رجل تكون لديه شعور بالمرارة .. و هو يشاهد سقوط مؤذٍ ، ربما تكرر هذا المشهد لديه .. لكنه صار مألوفا لدى نخبة الصناعة الأميركية .. و لا يرتعدون لأجله .. بل يزايدون به و عليه . .. الأبرياء .. يساقون إلى مناحر الموت .. و مكان راحة نوم أبنائهم بعيدٌ حقا عن مثالب الصراع و جوفية الشعار .. بينما يُـقاد أبناء المساكين إلى مواجهة الموت ضد بعضهم .. لأجل تفكير واحد .. و على قلب ربيع واحد . .. الربيع ليس لكم يا سادة .. لقد أخذه الذي اغتصب ثوراتكم المجهولة النسب و الهوية .. ثورة بلا أب .. مولود مشوه .. كائن خرافي .. هلامي .. يستحق أقوى علامات الخرافة المستعصية بإسم الدين و الكرامة و الحرية . .. لا بأس كان هناك الكثير من الأنظمة التي تستحق العقاب .. لكن بطريقة أفضل مما حدث لآلاف القتلى المسحوقين .. و في نهاية الأمر .. يبقى الربيع لمن يجني ثماره و يقطف زهرته الأولى و رحيقه المستمر . رجال : الدوحة .. يشكلون بلا إرادة شعبية .. مجالس الاعتراف الدولي بحضرتهم .. فيموت الآلاف لأجل الكثير من الخونة الجالسين خلف شاشات التلفاز كنجوم السينما أو المذيعين مدفوعي الأجر لإلقاء نشرة أخبار لا يقتنعون بها كضرورة .. فتتكون لديهم قناعة عمل .. و مشروع مال يؤدونه بكل احترافيه .. يصرخون .. يتأثرون .. يبكون .. يحزنون .. فتستنهض أمة العرب العاطفية .. و يقسو قلبها على رجل قادها لأعوام و عقود .. فلما حان دوره .. سقط في شبكة الصيد المتينة .. و ظل يقاتل .. يمسح عار المكائد .. و يتقدم بنفسه و ابناءه .. ما يعني أن تضحيته كانت أقدس و أكثر رجولة من رؤساء و زعماء و قادة : الدوحة .. الذين يطمئنون بحفاوة على مستقبل ابنائهم .. يطمأنون على كل شيء .. حتى نساء الملهى الليلي اللائي يسهرن على راحة و لهو أنجالهم .. .. و أما أنتم و أنا .. فلسنا سوى ضحايا .. بائسون .. قاتلنا بعضنا على مشاهد كارتونية و صناعة حقيقة لدم لا نعرف قاتله و سفاحه .. اتهامات متبادلة .. كنا و لم نزل و سنظل سخرية لدى الساخرون و اللاعبون الرئيسيون .. فهكذا هي الحياة .. بعض لبعض سخريا – حتى في ألوان الدم المصبوغ على هوية الثورة اللقطاء .. نحن سخرة الربيع .. و براءة الوطن المفقود وعيا و أصلاً .. و على الكم الكثير من صور القتلى و الجرحى .. الذين نسبوهم لشهادة لم يكونوا يبغونها .. فما خرجوا إلا لحياة .. و لم يعرفوا أن وعيهم السامق .. سيأتي من يضلله بدهاء ماكر .. و يستجلب معه طموحنا و أفكارنا و كل خياناتنا .. و هدوءنا و غضبنا .. و إمتزاج الحياة مع قطرات الموت الأحمر .. !! .. مات الربيع .. تساقط كخريف غريب .. و نفخته ريح الصيف الحار إلى أقاصي الواد البعيد .. و كل من شارك أو كان أقسى مما توقع في مخيلته .. سيندبه ضمير لائم .. عن ماذا فعل .. و لماذا .. و كيف استطاع أن يكون لقمة سائغة لتكوين كرة الثلج المتدحرجة في شتاء بلا ربيع أصيل .. فضربت في طريقها كل معترض .. و دفنت كل فكرة حقيقية .. و حل الشتاء و الزمهرير و الموت و الخوف .. و انقسام الجليد .. و الغرق تحت أطنان المياه الباردة .. إنها أطلال : تيتانك .. سفينة الحب و العشق و الغرام .. مات الحبيب .. سقط الشاب بتضحية خالصة .. لفتاة أخذت قلادته و وسام عشقه و لوحة رسمه .. تعرت له فأنضجت في خياله فكرة الربيع و الشهوة و رسمت التاريخ .. ثم تزوجت عنه من كان يبغي قتله فوق سطح السفينة العملاقة . مات .. بلا نسل .. بلا أحفاد أو أصهار .. مات .. و ظلت عشيقته تُـحدث ابنتها الجميلة عن مغامرات أمها .. و تضحك لحماقة الحبيب الذي لم ينل منها إلا ليوم واحد على سرير العربة المتحركة .. هناك .. لم يزل سر : تيتانك مدفوناً .. و بعد عقود سيستمر سر تيتانك الربيع و الشهوة و السلطة .. مدفوناً أيضاً .. و هناك الآف الأسرار و ملايين الحكايا التي لم تروى .. و لن يحكيها أحدٌ لغيره .. حتى يغوص في قبره الوحيد .. كما فعل كثيٌر من عشاق المغامرة .. و كثير منهم لم يصنعوا شيئاً سوى الذاكرة .. و لكن غيرهم صنعوا التاريخ و مجد الخلود . ؟! . و إلى لقاء يتجدد |