الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 07:26 م - آخر تحديث: 03:24 م (24: 12) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
أمام تحدي المبادرة العربية: إسرائيل دولة قوية ومشلولة وفاشلة



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


أمام تحدي المبادرة العربية: إسرائيل دولة قوية ومشلولة وفاشلة

الأحد, 22-أبريل-2007
بلال الحسن* - يتعاطى العرب مع إسرائيل انطلاقا من مشروع «مبادرة السلام العربية». ويتعاطى الفلسطينيون مع إسرائيل انطلاقا من مشروع بناء دولة فلسطينية. ويلقى المشروعان صدى إسرائيليا ملحوظا، فلا هم يقبلون المبادرة العربية بكل ما فيها من إغراء سياسي لدولة تبحث عن الاعتراف بها، ولا هم يقبلون المبادرة الفلسطينية حتى بعد أن قطعوا شوطا في التعامل معها عبر اتفاق اوسلو.

ويثور هنا سؤال: لماذا تعاند إسرائيل إلى هذا الحد؟ لماذا ترفض وتتعنت؟ وعند البحث عن الجواب يبرز الانطباع السائد منذ زمن طويل، وهو أن إسرائيل تفعل ذلك لأنها قوية ومتفوقة، وهي قادرة على فرض شروطها، وقادرة على العيش والاستمرار حتى إذا رفض العرب والفلسطينيون قبول شروطها. وفي هذا التصور كثير من الصحة، فالقوة العسكرية الإسرائيلية أمر لا شك فيه، وتحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية أمر له نتائجه الكثيرة.

ولكن هناك جوابا آخر عن هذا السؤال، بدأ يكشف عن نفسه في السنوات الأخيرة، وهو أن إسرائيل تظهر كل هذا العناد لأنها فاشلة. إنها دولة قوية وفاشلة. قوية عسكريا وفاشلة سياسيا واجتماعيا وبنيويا. إنها كمن يبني بيتا من حجر صلد من أجل أن يسكن فيه وأن يتزوج وينجب، ثم يكتشف أنه اختار الزوجة غير الصالحة، فيبقى البناء ولكن المشروع ينهار. إن الفشل هنا لا يأتي من انهيار البنيان بل من السوس الذي ينخر في الداخل.

وبعيدا عن أي محاولات فكرية تضرب في عمق الفكر الصهيوني وجذوره، نستطيع أن نرى الشواهد على هذا الفشل في الظواهر السياسية السائدة، وهي عوامل يختبرها العرب والفلسطينيون بصورة شبه يومية.

أبسط هذه الشواهد أن إسرائيل تسيطر عليها الآن حكومة عاجزة عن اتخاذ أي قرار. حكومة مشلولة، لا بسبب ضعف أفرادها، بل لأن توازن القوى السياسية والاجتماعية من حولها لا يمكنها من اتخاذ القرارات التي تتعامل معها أية حكومة عادية. ويشيع في إسرائيل القول بأن قرارا سياسيا واحدا تتخذه الحكومة، سواء في التفاوض مع الفلسطينيين أو في التفاوض مع العرب، يعني سقوطها. ولذلك فإنها تلجأ إلى أسوأ الحلول، إلى عقد الاجتماعات اللا مجدية، الاجتماعات التي تتوالى وتتكرر من دون أن تصل إلى نتيجة. وحين تشارك في هذه الاجتماعات دولة عظمى ممثلة بالسيدة كوندوليزا رايس، تصبح الأمور غريبة ومضحكة، وبخاصة حين تسعى السيدة رايس إلى تغطية الفشل الإسرائيلي بكلمات منمقة تكثر من تردادها في مؤتمراتها الصحافية، ومن نوع البحث في الأفق السياسي، والبحث في خطة التشجيع للطرفين، وما إلى ذلك من كلمات لا معنى لها.

حكومة إسرائيل الآن مشغولة بقضية واحدة، هي تقرير لجنة فينوغراد التي تألفت من أجل التحقيق في فشل الحرب الإسرائيلية على لبنان. أعضاء في اللجنة يريدون نشر شهادات المسؤولين الكبار بما فيها من اتهامات خطيرة تطيح بالرؤوس. وأعضاء آخرون يرفضون نشر الشهادات إلا بعد نشر نص التقرير لأنه يوضح الظروف والملابسات، فيخفف ذلك من وقع الصدمة على رؤوس المسؤولين. وتدخلت بسبب هذا الخلاف المحكمة الإسرائيلية العليا لتضغط باتجاه عدم النشر، وانتقلت القصة إلى الصحافة بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك.

المحكمة العليا في إسرائيل هي نفسها بين أخذ ورد. صلاحياتها كثيرة، وبكلمة منها يمكن أن يسقط هذا الوزير أو ذاك، وهي مستعدة لقول كلمة عن مسؤولية رئيس الوزراء ايهود اولمرت بشأن حرب لبنان أو بشأن الفساد، ويكون في ذلك نهاية حياته السياسية. ولكن السياسي هنا لا يستسلم، يستخدم صلاحياته، ويختار وزيرا جديدا للعدل بعد أن تمت تنحية الوزير السابق بتهمة التحرش الجنسي بقرار من المحكمة نفسها، ويوكل لهذا الوزير مهمة صياغة قانون جديد يحد من صلاحيات المحكمة العليا. وهكذا يتحول القانون إلى ألعوبة بين أيدي السياسيين، وينشغل الجميع بهذه المعارك، وتبقى القرارات التي يجب اتخاذها معطلة.

ويخرج الإعلام الإسرائيلي في كل يوم بقصة جديدة عن فساد هذا الوزير أو ذاك. رئيس الوزراء متهم بالفساد، ورئيس الأركان أيضا الذي استغل اطلاعه على أوضاع الحرب في لبنان فباع أسهمه في البورصة تاركا الخسارة للآخرين الذين لا يعرفون بقراراته هو بالذات. وحتى وزير المالية الذي يفترض فيه أن يكون حاميا للمال العام متهم هو أيضا بالفساد. ويقرأ المواطن الإسرائيلي كل هذه القصص فيشعر بالقرف من السياسيين، ويفقد الإعجاب بنظامه الاجتماعي ومتانته، ويبدأ هو أيضا بالتفكير بقرار يضمن له خلاصه الفردي، إما بممارسة الفساد كما يفعل الكبار، أو بالسلبية، أو بالهجرة إلى مكان آخر، بينما تسجل الإحصاءات أن نسبة الهجرة من إسرائيل إلى خارجها آخذة في الازدياد.

في قلب هذه الحالة من الشلل السياسي، ومن الفساد، ومن فقدان الأمل الفردي بالمستقبل، تنظر إسرائيل حولها فتكتشف أن الديمغرافيا الفلسطينية تشكل خطرا عليها، وتكتشف أن النضال الفلسطيني يشكل خطرا أمنيا عليها، فتلجأ إلى الحل العجيب، حل إحاطة نفسها بسور يفصلها عن الخطر الديمغرافي.

ثم تلقي إسرائيل على محيطها نظرة أخرى، فتكتشف أيضا وجود أقلية عربية بداخلها يمكن لها هي أيضا أن تشكل خطرا ديمغرافيا، فتقرر شن الحرب على مواطنيها من أصحاب الأرض الأصليين، تارة من خلال شعار الترانسفير، وهنا تتيح لحزبين يتبنيان الترانسفير أن يوجَدا داخل الحكومة، وتارة أخرى من خلال دعوة مواطنيها المسلمين والمسيحيين إلى ضرورة الاعتراف والإقرار بأن دولتهم يجب أن تكون دولة يهودية، وأن من لا يعترف بيهودية الدولة يشكل خطرا أمنيا. وقد يترتب على هذا الموقف طرد نواب الأقلية العربية من الكنيست وتقديمهم للمحاكمة الأمنية. والخطوة المنطقية التالية هي منع الأقلية العربية من تشكيل أحزابها الخاصة. والخطوة الثالثة هي منعهم من ترشيح أنفسهم لانتخابات الكنيست. أما الخطوة الرابعة والخامسة فهي الاضطهاد، وتقسيم المواطنين إلى درجات، وقيام نظام التمييز العنصري. والمظهر الأخطر من كل هذا الذي نذكره هو التوجه لمنع نخب الأقلية العربية من التفكير. فإذا أدلوا برأيهم حول ما يجب أن تكون عليه هوية الدولة، دولة يهودية أم دولة لكل مواطنيها، فهم إذاً أشخاص خطرون ويهددون الأمن الإسرائيلي، ويجب منعهم من ذلك بالاعتقال والمحاكمة، ثم عليهم، كما في محاكم التفتيش، أن يعلنوا ندمهم وتوبتهم، وأن يتعهدوا أمام قساوسة الأمن أنهم لن يمارسوا جريمة التفكير من جديد.

هل يضمن كل هذا الأمن لإسرائيل؟ للأسف فإن الجواب هو لا. وهو جواب يعرفه القادة الإسرائيليون، ومع ذلك فهم يمضون في مد منطقهم إلى آخره، فيعلنون بكلمات منمقة ما يسمونه «مشاريع التطوير». مشاريع التطوير في الجليل والنقب، وهما المنطقتان اللتان تعيش فيهما أغلبية الأقلية العربية. والتطوير هنا يعني خلخلة هاتين المنطقتين، أي مصادرة أراضي السكان، ودفعهم إلى الهجرة والعمل في مناطق أخرى، ثم جذب عدد من السكان اليهود ليحلوا محلهم. لماذا؟ لأن الفلسطينيين المحتشدين في هذه المناطق قد يطالبون بالحكم الذاتي الثقافي وغير الثقافي، أما حين يتشتتون هنا وهناك، فإنهم يفقدون صفة «التجمع» ويصبح من الصعب عليهم أن يطالبوا بما يتطلعون إليه.

في قلب هذا كله، يقول الإسرائيليون «لا» لعرض فلسطيني ببدء التفاوض. ويقول الإسرائيليون «لا» لعرض سوري ببدء التفاوض. ويقول الإسرائيليون «لا» لعرض عربي شامل ببدء التفاوض. وتنتصب كل هذه اللاءات بينما هم يقفون حائرين بسبب وضعهم العسكري الجديد بعد حرب لبنان، ولا يفكرون إلا بحرب أخرى ضد قطاع غزة، أو ضد لبنان، أو ضد سوريا، أو ضد ايران.

هل يمكن وصف هذه الحالة بشيء آخر سوى «الفشل» أو «التوهان» أو «العجز عن التفكير» أو «العجز عن اتخاذ القرارات»؟ وهل نغالي إذا قلنا بعد هذا كله، إن إسرائيل دولة قوية وفاشلة؟ وإنها دولة ذات بنيان قوي ولكنه بنيان مهدد بالانهيار؟ هل نغالي إذا قلنا إن القوة مع الفشل هي أخطر ما يهدد مستقبل الدول؟
*كاتب ومفكر فلسطيني
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالسِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم

22

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024