![]() |
علي عبدالمغني.. القائد الذي أشعل فجر سبتمبر في كل عام، ومع تجدد ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، تقف الذاكرة الوطنية لتستحضر رموزها الذين صنعوا فجر الحرية، وفي طليعتهم الشهيد البطل علي محمد عبدالمغني، الرجل الذي لم يكن مجرد ضابط في الجيش، بل كان المهندس الحقيقي والدينامو المحرك لثورة أطاحت بليل الإمامة الكهنوتية وأشعلت شمعة الجمهورية في ربوع اليمن. وُلد عبدالمغني عام 1935م (ويقال 1937م) في مديرية السدة بمحافظة إب.. نشأ يتيم الأب منذ الرابعة، لكن اليتم لم يكن عائقاً، بل دافعاً نحو التفوق والجدّ.. ختم القرآن صغيراً، ثم التحق بمكتب الأيتام في صنعاء، حيث سطع نبوغه الدراسي سريعاً.. كان متفوقاً بين زملائه، يحمل همّ الوطن مبكراً، حتى أن الرئيس العراقي جمال جميل ـ قائد ثورة 1948م ـ قال فيه وهو طفل لم يتجاوز الحادية عشرة: "لو فشلت ثورتنا، فهذا الشبل سوف يكمل ما بدأناه".. وكم كان ذلك التنبؤ صادقاً ! واصل عبدالمغني دراسته بتفوق حتى التحق بالكلية الحربية، ليخرج منها الأول بامتياز، ثم التحق بمدرسة الأسلحة وصار من أبرز الضباط الشباب الذين امتلكوا رؤية ثورية تتجاوز حدود الطموحات الشخصية.. وفي أواخر الخمسينيات، بدأ حلم التغيير يتبلور داخله، فاتصل بالضباط الأحرار والمثقفين والمشايخ الأحرار، وأسّس تنظيم الضباط الأحرار الذي تولى قيادته بحكمة وشجاعة.. لم يكن مجرد عضو في التنظيم، بل كان قائده، ومفكر أهدافه، وكاتب مبادئ الثورة الستة بقلمه الذهبي الذي أهداه له ولي العهد البدر نفسه! عندما بزغ فجر السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، كان علي عبدالمغني في قلب الحدث.. خطط للهجوم على دار البشائر، وأشرف على البيانات الأولى للثورة، وضخ في صفوف رفاقه روحاً من التفاؤل والإيمان بالنصر.. لم يكن يؤمن بالجلوس في المكاتب لإدارة المعارك عن بُعد؛ بل حمل بندقيته وتقدم الصفوف.. فحين حوصرت مأرب من قبل فلول الملكيين ومرتزقة الاستعمار، قاد بنفسه حملة عسكرية لفك الحصار.. وهناك، في باب الضيقة، كان الموعد مع القدر.. استبسل حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن تخترقه رصاصات الغدر في الثامن من أكتوبر 1962م، ليرتقي شهيداً، بعد عشرة أيام فقط من إعلان الجمهورية التي حلم بها. استشهد علي عبدالمغني وهو في ريعان شبابه، لكنه ترك أثراً يفوق أعماراً بأكملها.. فقد جسّد معنى أن يتحول الحلم الفردي إلى مشروع وطني، وأن يدفع الإنسان حياته ثمناً لميلاد وطن جديد.. واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على استشهاده، يبقى السؤال حاضرًا: كيف لرجلٍ لم يعش أكثر من سبعة وعشرين عاماً أن يخلّد في وجدان أمة بأسرها؟ وهل يا ترى لو أمهلته الحياة قليلاً، لكان تاريخ اليمن قد تغيّر بوتيرة أسرع مما هو عليه اليوم؟ سؤال يظل مفتوحاً، تماماً كما يظل اسم علي عبدالمغني مفتاحاً لكل حكاية تبدأ بكلمة: الحرية. لقد أجمع كثير ممن عاصروا أحداث سبتمبر على أن علي عبد المغني لم يكن مجرد ضابط في الجيش، بل كان العقل المدبر والمفكر الذي مهّد للثورة، وخطط لمسارها، وسعى لتأمين انطلاقتها.. وقد وصفه المشير عبد الله السلال – أول رئيس للجمهورية – بأنه "العقل الذي فجر الثورة وأشعل جذوتها"، فيما أكد القاضي عبد الرحمن الإرياني – الذي تولى رئاسة الجمهورية لاحقاً – أن عبد المغني كان من أبرز رموز التغيير ومن أكثر الشباب وعياً وحماسة وإيماناً بقدرة اليمنيين على كسر قيود الاستبداد. وقد شهد رفاق علي عبدالمغني في تنظيم الضباط الأحرار بأنه كان يتمتع بقدرة قيادية استثنائية وجرأة نادرة في اتخاذ القرار، وأن استشهاده المبكر لم يطفئ أثره في نفوس اليمنيين، بل زادهم إصراراً على المضي في طريق الحرية والجمهورية.. وهكذا ظل اسم علي عبد المغني حاضراً في ذاكرة التاريخ كشعلة أضاءت درب اليمن نحو الحرية والفجر الجديد. * مستشار وزارة الشباب والرياضة |