![]() |
كيف تمنع توترك من الانتقال إلى طفلك؟ في عالم اليوم السريع والمضطرب، أصبحت تربية الأطفال أكثر صعوبة من أي وقت مضى. فبين ضغوط العمل والحياة العائلية، يعيش الأهل حالة دائمة من القلق بشأن المستقبل، والأوضاع الاقتصادية، وسلامة أطفالهم النفسية والجسدية. ومع تزايد هذه الضغوط، لا عجب أن يشعر كثير من الآباء والأمهات بأنهم على حافة الإنهاك التام. فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2023 أن نحو نصف الأهالي يشعرون يومياً بأنهم مثقلون بالتوتر إلى درجة الإرهاق الكامل. لكن المشكلة لا تتعلق فقط بما يشعر به الأهل، بل بكيفية انتقال هذا التوتر إلى الأطفال. فبحسب ما توضحه مجلة «تايم»، يستطيع الأطفال التقاط الإشارات العاطفية من والديهم بسرعة مذهلة: من نبرة الصوت، أو ملامح الوجه، أو حتى التنهد العميق. ويُعرف هذا التفاعل النفسي باسم «العدوى العاطفية»، إذ تُفعَّل الخلايا العصبية المرآتية في دماغ الطفل عند ملاحظته قلق والديه، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، وكل ذلك يحدث في لحظات ومن دون وعي. وبما أن الأطفال يعتمدون على والديهم كمصدر أساسي للأمان والرعاية، فإن أدمغتهم مبرمجة لمراقبة التوتر لديهم. وعندما يتعرض الطفل بشكل متكرر لمستويات عالية من القلق، فإن ذلك قد يؤثر في سلوكه، وتركيزه، وقدرته على ضبط مشاعره. ورغم أن التوتر جزء لا يمكن تجنبه من الحياة، إلا أن الأهل يستطيعون الحدّ من تأثيره السلبي على أطفالهم. وتبدأ هذه العملية من خلال التصالح مع مشاعرهم الشخصية، وتبنّي الوعي الذاتي لتهدئة أنفسهم وسط الفوضى اليومية. الخطوة الأولى: الاعتراف بالتوتر والارتكاز إلى اللحظة الحاضرة بحسب تقرير «تايم»، تبدأ الخطوة الأولى لتخفيف الضغط بالاعتراف بوجوده بدلاً من تجاهله. فمحاولة إنكار القلق لا تُزيله بل تُضخّمه. ينصح الخبراء بالتركيز على «الآن وهنا» عبر ممارسة بسيطة: لاحظ شيئاً واحداً تراه من حولك وآخر تسمعه. هذه التقنية تُعيدك من دوامة التفكير إلى اللحظة الراهنة، وتُفعّل وعيك الجسدي الذي يساعد في تنظيم التوتر. يُظهر البحث أن الانتباه للحواس يعيد التوازن إلى الجهاز العصبي، ما يجعل الأهل أكثر قدرة على التحكم في ردود أفعالهم. وعندما يرى الأطفال ذلك، يدركون أن مواجهة المواقف الصعبة ممكنة بهدوء واتزان، ما يمنحهم شعوراً بالأمان. الخطوة الثانية: تهدئة الجسد قبل الذهن يظهر التوتر عادة في الجسد قبل الوعي به، كتصلّب في الكتفين أو ثقل في الصدر مثلاً. لذلك، ينصح الخبراء بإبطاء الإيقاع الجسدي عند الشعور بالضغط. اضبط تنفسك لخمس مرات متتالية ببطء وعمق: دع بطنك يتمدّد أثناء الشهيق، ثم أخرج الهواء ببطء كما لو كنت تنفخ على ملعقة ساخنة. تُظهر الدراسات أن التنفس العميق ينشّط العصب المبهم (Vagus Nerve) المسؤول عن استجابة الاسترخاء، فينخفض إفراز هرمونات التوتر تدريجياً ويعود الإحساس بالهدوء. في إحدى الحالات التي تناولها التقرير، حاول والد فقد عمله إخفاء قلقه عن أطفاله، لكنه لم ينجح. فقد لاحظوا تغيّر نبرته وحركاته المتوترة، رغم أنه أكد لهم أنه «ليس منزعجاً». وهنا يوضح التقرير أن الأطفال لا يصدقون الكلمات بقدر ما يلتقطون لغة الجسد. لذلك، فإن تهدئة الجسد هي المفتاح الأول لطمأنتهم. الخطوة الثالثة: تسمية المشاعر بدلاً من كبتها التوتر لا يأتي وحده، فهو غالباً ما يخفي وراءه الخوف، أو الحزن، أو الغضب. لكن بما أن ثقافتنا لا تعلّمنا كيفية التعبير عن المشاعر، فإننا نميل إلى كبتها أو التخفيف من شأنها. يلجأ البعض إلى تجنّب المواجهة، أو جلد الذات، في محاولة لحماية أنفسهم من المشاعر الصعبة. الكاتبتان، وهما معالجتان نفسيّتان، تقترحان أداة تُعرف بـ «مثلث التغيير» (The Change Triangle) لمساعدة الأهل على تحديد حالتهم العاطفية وفهمها. فعندما تأمل الأب الذي فقد عمله في مشاعره، اكتشف أن الخوف من المستقبل والحزن على زملائه المفقودين هما ما يغذي توتره. بمجرد أن سمّى هذه المشاعر واعترف بها، شعر بانفراج جسدي وذهني فوري، وتحسّن تواصله مع أطفاله الذين استجابوا بدورهم بمزيد من الهدوء والثقة. أثبتت الأبحاث أن تقنية «تسمية المشاعر» (Emotion Naming) تُخفّف من حدّتها فعلاً، لأنها تنقلها من الغموض الداخلي إلى الوعي المنطوق، ما يُسهّل التعامل معها بوعي. الخطوة الرابعة: أطلق العواطف عبر أفعال مفيدة المشاعر الأساسية مبرمجة في الدماغ كوسيلة للبقاء: الخوف يُنبّهنا للخطر، والغضب يدفعنا لحماية حدودنا، والحزن يُذكّرنا بما فقدناه. لذا، من المفيد السماح لأنفسنا بتفريغ المشاعر عبر أنشطة إيجابية مثل المشي، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو الكتابة، أو أخذ حمام دافئ. هذه الممارسات تُعرف باسم «مُبدّلات الحالة» (State Changers) لأنها تُعيد تهدئة الجهاز العصبي وتُعزّز الشعور بالاستقرار الداخلي. وعندما يصبح الأهل أكثر توازناً، يصبحون أيضاً أكثر رحمة وصبراً وتفهّماً تجاه أطفالهم، فينشأ لدى الأسرة كلها شعور بالترابط العاطفي العميق. الخلاصة التوتر جزء طبيعي من الحياة الأسرية، لكن تأثيره على الأطفال ليس حتمياً. فعندما يعترف الأهل بقلقهم، ويهدّئون أجسادهم، ويعبّرون عن مشاعرهم بوضوح، فإنهم لا يحمون أنفسهم فحسب، بل يعلّمون أبناءهم درساً مهماً في الذكاء العاطفي: أن الهدوء لا يعني غياب التوتر، بل القدرة على التعامل معه بوعي واتزان. |























