الخميس, 18-أبريل-2024 الساعة: 04:37 ص - آخر تحديث: 02:25 ص (25: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمر نت - كانت امرأة 
هبطت في ثياب الندى
ثم صارت
مدينة
هكذا يصف شاعرنا الكبير مدينة روحه صنعاء.
وهو يكمل معنا رحلته في شوارعها، ومرابعها من خلال الكلمات التي يخترق بها حجب الذاكرة.

المؤتمر نت -
صنعاءبين سحر الواقع وجمال الأسطورة(بقلم-د. عبدالعزيز المقالح )
كانت امرأة
هبطت في ثياب الندى
ثم صارت
مدينة
هكذا يصف شاعرنا الكبير مدينة روحه صنعاء.
وهو يكمل معنا رحلته في شوارعها، ومرابعها من خلال الكلمات التي يخترق بها حجب الذاكرة.
كان الوقت صيفاً عندما دخلتها لأول مرة طفلاً في السادسة، وعلى ظهر أحد الجمال التي تحمل ؛ بالإضافة إلى أفراد الأسرة أثاث المنزل القروي من فرش وسجاجيد محلية مصنوعة من صوف الماعز. لم يكن الطفل الذي كنته –يؤمئذ- يعي معنى الفصول، أو يدرك أسماءها، لكنه يتذكر الآن أن البطيخ بقشرته الخضراء، وجوفه الأحمر- والذي لم يسبق أن رآه، أو ذاقه في قريته- كان أول فاكهة قدمت للعائلة القادمة من الريف، وهي – في ذلك الحين- فاكهة صيفية قبل أن تنتشر وسائل المواصلات، وتستقبل العاصمة منتجات المحافظات ذات المناخات المختلفة.

الإشارة تستدعي القول إن صنعاء –رغم تمايز فصولها الأربعة – ذات مناخ معتدل جميل تقترب درجة حرارة الشمس في نهارها الشتوي من درجة حرارتها في الصيف، وربما تقل صيفاً بسبب الغيوم، والأمطار التي تهطل كثيراً في شهور يونيو، يوليو، أغسطس. ولن تبرح ذاكرتي عبارة بديعة قالها منذ عشرين عاماً الشاعر الإنجليزي "فيتزجيرالد برنس"- رئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة صنعاء، والعبارة هي:(ما أجمل شتاء هذه المدينة، نهار مشمس دافئ، وإضاءة باهرة، وفضاء مغسول كأنه البللور البهي". وسيلاحظ الخبير المهتم بالتضاريس الجغرافية للمدينة أنها تقع في محيط هو الأعلى في كل الجزيرة العربية، كما أنها مبنية على هضبة ترتفع عن الوديان التي تحيط بها، وأن الزائر عندما يدخلها من أي الجهات يشعر أنه يعلو لاسيما حين يكون قادماً من جهة الجنوب، ولا يصل إليها إلاّ بعد أن يتسلق الجبال والآكام، ومتى دخلها يشعر أنه اقترب من السماء، وأن في إمكانه إذا ما صعد أحد الجبال المحيطة بها أن يلمس السماء بيده.

أبعاد الدهشة
وأزعم أن كل ما في القاموس العربي من مفردات، وما في الكتب من عبارات لا تستطيع أن ترسم أبعاد الدهشة التي تمتلكني عند رؤية صنعاء عن قرب وهي مغمورة بشمس الظهيرة، وما يتدفق على واجهات المنازل من كميات الضوء. لحظتها كانت المآذن المستقيمة البيضاء، ونوافذ البيوت المطلية بجص يشبه الفضة في أزهى حال من التوهج، واللمعان. وقد يكون الشعر في وقت متأخر استطاع أن يلتقط ما تبقى في الذاكرة من آثار تلك الدهشة. ومن (كتاب صنعاء) وهو قصيدة واحدة في مدح هذه المدينة المدهشة اختار هذه اللوحة:
هي عاصمة الروح
مغمورة بالضحى والتعاويذ
تومض أشجار ذاكرتي حين أدخلها
وأراها بأطمارها تتوهج عارية
تحت جمر الظهيرة
أذكرها...
كنت طفلاً بعينين ذاهلتين
رأيت مفاتنها
وبقايا "البرود"
وتابعت نبض خطاها
شربت الشذى،
واستحمت جفوني بماء الظلال
وشاهد قلبي ملائكة يرسمون على الأفق
أودية وقصوراً
وأروقة
كانت العين تسمع أصوات فرشاتهم
وترى الأذن كيف تصير السحابات
لوناً
وتغدو الحقيقة حلماً.


مدينة نائمة
لن أتكلم كثيراً عن صنعاء الحديثة، المدينة التي أكلت الحقول والضواحي المحيطة بها، والتي لا تزال تتمدد، وتترهل، بل سأكتفي بالكلام على صنعاء القديمة مدينتي الصغيرة النائمة خلف سورها الطيني العتيق، والمحمية بغيمان الجبل المطل عليها من الشرق، والذي اعتدى الأحباش على اسمه القديم واختاروا له اسماً آخر هو "نقم" وإذا كنا لا نمتلك من الشواهد ما يكفي لإثبات التسمية القديمة "غيمان" فإن الدليل التاريخي الوحيد أن الأحباش هم الذين أطلقوا عليه اسمه الحالي انتقاماً منه، فقد كانت كهوفه وتضاعيفه مأوى للمقاومة الوطنية التي أرهقت ذلك الاحتلال. وتحيط بصنعاء سلسلة من الجبال العالية والمنخفضة. لكن نقم أو غيمان يظل أبرزها وأهمها بوصفه الحارس التاريخي الذي يحتوي صنعاء من جهة الشرق، ويبدو في مكانه- بعد أن تجعدت ملامحه- كشيخ عجوز يحنو على أبنائه وأحفاده ويدفع عنهم غائلة كل الغزاة، وأطماع المعتدين.
بعد أيام من استقرار العائلة في منزل صنعاني لا تختلف مواصفاته عن بقية المنازل التي يقف إلى جوارها، أو بالأصح يتداخل عن بقية المنازل التي يقف إلى جوارها، أو بالأصح يتداخل معها في اصطفاف أو تلاصق فريد، بدأ شغف غامض يقودني يومياً إلى سطح هذا المنزل كلما جاء ضيوف إليه، أو انشغل أفراد العائلة بشئونهم الخاصة لأمارس دهشتي الطفولية، يشدني منظر المآذن، وسطوح بعض البيوت العالية، وتثيرني الجبال المحيطة بالمدينة من قرب، أو من بعد. لم يكن صعودي إلى السطح يرتبط بوقت معين، وإن كان وقت الظهيرة المشبع بالضوء هو الوقت الأكثر إثارة. لكن الصباحات لم تكن تقل إثارة، كما أن لوقت الغروب أيضاً إثارته الخاصة عندما يبدأ اللون البنفسجي يلف المدينة، وتبدأ السحب البيضاء تأوي إلى ما وراء الجبال.
كان ذلك هو شأني مع المدينة التي تشبعت سريعاً بصورها الجميلة، وترددت على مساجدها، وحماماتها، وبساتينها، والتحقتُ بإحدى مدارسها. وكان أخي -الذي يكبرني بعشر سنوات- سبقني إلى المدينة بوقت طويل –لذلك فقد كان هو دليلي العارف، والقادر على إيجاد مزيد من التشويق والإثارة الذكية.
لكن الأيام لا تستقر على حال إذْ سرعان ما تجهمت في وجه العائلة، فقد دخل والدي السجن لأسباب سياسية وساءت أوضاعنا النفسية، والاقتصادية إلى درجة يصعب وصفها. وبعد أعوام قليلة ساءت أوضاع المدينة أيضاً بعد أن تعرضت للنهب وظلت كثير من دورها أعواماً بلا نوافذ، وذبلت الدهشة في العينين القرويتين اللتين صقلتهما الينابيع القروية، وأصبحت مع زملائي من أبناء الحارة ننظر إلى الأرض المغطاة بالتراب، والحصى أكثر مما ننظر إلى الأرض السماء، أو إلى واجهات البيوت التي أصبحت باهتة، ومألوفة.

البساطة وعمق الجبال
وفي زمن لاحق، حين اكتمل الوعي بجمال المكان، وبهاء العمارة، وأخذ الشعر يقود الشعور للإحساس ببساطة صنعاء، وعمق جمالها، اختزنت الذاكرة، والبصر ما تزخر به المدينة من شواخص ثرية، فهنا حفرة (القليس) التي يقال إنها بقايا الكنيسة التي بناها أبرهة، وهنا مسجد (أروى) الذي يعود تاريخه إلى العام السادس الهجري الموافق 627م، وهناك الحمامات التي تسمى بالتركية، وهي عربية الأصل ولا تزال مستخدمة. فيها أيام خاصة للرجال، وأخرى للنساء، وكلما ضاقت أزقة صنعاء القديمة انبثقت ساحة واسعة مخططة بحساب لتخدم البيوت المحيطة بها، بينما يطل عليك من وراء كل مجموعة من الأزقة بستان صغير يسمى بـ"المقشامة" يسقى من مياه المسجد، ويستفيد من زرعه الجميع. ولعل سحر الإضاءة في البيت الصنعاني يتجلى بشكل معاكس، ففي النهار يستمع الجالس داخل البيت بضوء ملون تنثه النوافذ المصممة بشكل هلالي وبقطع متعددة الألوان من الزجاج، أما في الليل فيكون الضوء الساحر الملون تحت نظر المارة الذين يرون النوافذ من الخارج. ومن العجيب أن النوافذ المخرمة، أو المشربيات (التي تستعمل بعضها كثلاجات طبيعية لتبريد المياه) تستدق وتصغر حتى يكون بعضها من "الشاقوص" (نافذة بحجم الكف لتنقية الهواء).
حين أنظر –الآن- إلى الوراء في محاولة لاسترجاع علاقتي بصنعاء تتراءى لي هذه المدينة من خلال ثلاث حالات من الدهشة، الحالة الأولى هي تلك التي ارتبطت باللقاء الأول، والتي تم الحديث عنها في القسم الأول من هذه المقالة، أما الحالة الثانية فكانت عند عودتي إليها في أواخر الخمسينيات بعد غياب دام سبعة أعوام، والحالة الثالثة والأخيرة كانت عند عودتي إليها في أواخر الخمسينيات بعد غياب دام سبعة أعوام، والحالة الثالثة والأخيرة كانت عند رجوعي من مصر بعد أن أمضيت في القاهرة ما يقرب من اثني عشر عاماً. وفي حالة الدهشة الثانية هذه أذكر أنني رجعت إليها ذات مساء، كانت نائمة تحت عباءة الليل وحال سورها الطيني بيني وبينها إلى ما بعد مطلع الفجر وانفتاح الأبواب التي كان قانون الخوف على المدينة وأهلها يقضي بإغلاقها من قبل الغروب وإلى ما قبل الشروق، وفي هذه العودة انتعشت ذكريات الطفولة مجدداً وخرجت من مخابئ الذاكرة، ولما كنت بدأت كتابة الشعر، فقد زادت علاقتي بالطبيعة وبالمدينة إعجاباً وحميمية، فاخترت رابية تقع في الجهة الشرقية من المدينة تسمى (ظهر حمير) لكي استوعب من هناك منظر المدينة، وما تحشده من جماليات المكان بأقسامه الثلاثة كما كان حتى منتصف الستينات: القسم الأول وحيّزه المكاني صنعاء القديمة، بحاراتها، ومساجدها، وبساتينها، وأسواقها. والقسم الثاني ويضم باب السبح، وبئر العزب بحدائقه الواسعة، وقصوره القليلة.
والقسم الثالث وشمل منطقة "القاع" الذي كان يتألف من الأحياء الخاصة باليهود قبل أن يرحلوا عن البلاد ويبيعوا منازلهم وممتلكاتهم كاملة. كنت استطيع –من فوق تلك الرابية- أن أحدد أماكن الأبواب السبعة للمدينة، وهي: باب شعوب في الجزء الشمالي، يقابله باب اليمن في الجزء الجنوبي، ثم باب الشقاديف في وسط المدينة شمالاً، يقابله باب السبح جنوباً، وباب الروم في الجزء الشمالي عند نهاية المدينة غرباً، يقابله باب البلقة جنوباً. ثم باب "القاع" المفتوح على الجهة الغربية. وهناك باب آخر اسمه باب "استران" ومعناه الباب المستور، ويحسبه البعض من أبواب المدينة، في حين أنه ليس كذلك، ويقع في شرق المدينة، ويتبع قلعة غمدان، التي أصبحت في العهد العثماني قصراً للسلاح. وهذا الباب مغلق، وخاص بالقلعة، ولا يعد من أبواب المدينة، ولم يفتح في تاريخ اليمن الحديث سوى مرة واحدة عندما اتخذ الإمام الشهيد عبدالله الوزير القلعة مقراً لحكمه الذي لم يدم سوى ثلاثة أسابيع.

ترهّل المدينة
الحالة الثالثة وهي خليط من الدهشة والحسرة، وتعود إلى أواخر السبعينيات عندما رجعت من القاهرة بعد غياب دام اثني عشر عاماً. كانت المدينة بدأت في الترهّل إن لم تكن ترهلت فعلاً، ولأني اخترت الإقامة في حي "جديد" فقد صدمني كل شيء فيه، وحزنت أشد الحزن لانتشار بيوت الأسمنت، وما تتركه من ملامح المدينة الهجين. لقد تبددت الصورة المرسومة في الذاكرة لصنعاء، وتكسرت أمام عيني، ولم يبق في هذه الأحياء الجديدة سوى شوارع مكتظة بالناس، وهذه الشوارع في الوقت نفسه أسواق نافرة، ومنفردة يجتمع فيها بائع الذهب، والمجوهرات ببائع الفحم والأحذية، وبائع العطور ببائع اللحم والسمك، أين هذا التنافر البغيض من صنعاء الذاكرة حيث الأسواق المستقلة البعيدة عن الأحياء السكنية؛ وحيث يوجد سوق خاص لكل سلعة، فهناك سوق للزبيب، وسوق للفضة، وسوق للقماش، وآخر للعطارة، وأسواق للحدادة، والنجارة والصناعات الحرفية..الخ.
إحساس فظيع بالتشويه الذي لحق بالمدينة، بيوت الأسمنت الباهتة بدلاً عن البيوت التي تتعانق فيها الأحجار بالآجر. والبناء العشوائي يزخف تماماً على الحدائق والبساتين بعد أن التهم كل الأراضي الزراعية، التي كانت تحيط بالمدينة، وتم القضاء نهائياً على الينابيع المائية التي كانت تسقي جزءً من المدينة، وتخترقها متجهة إلى الضواحي الشمالية الغنية بالأشجار، وأشجار الورد على وجه الخصوص، لكن القوة المدمرة لم تكن اقتربت من المدينة القديمة، من صنعائي الصغيرة. وعندما ذهبتُ لزيارة منزلنا القديم وجدت الأحياء لم تتغير، والأسواق كذلك، وحتى الناس لا يزالون يعيشون في سكينة، وهدوء يحبّون بعضهم، ويتعاطفون في السراء، والضراء، وهذا ما جعلني دائم الحنين إلى السير فيها، والتنقل في أحيائها، وكأنني أكتشفها لأول مرة، وحينما كنت أسير ليلاً في شوارعها وأزقتها الضيقة أتجول بهدوء، وطمأنينة وأحس بالتذاذٍ نفسي أكاد معه أسمع صدى أقدام ذلك الطفل الذي كنته وأحياناً أشعر بأسى عميق لأنني –لأسباب خارجة عن إرادتي الشخصية- لا أستطيع السكنى في منزلنا القديم على الرغم من أن والدتي لم تغادره حتى كتابة هذه الكلمات، ولا تزال متشبثة به كحلم تخشى لو فارقته أن يتبدد أو يضيع منها كما تضيع سنوات العمر.

مدينة في وجه الزمن
والآن- السؤال موجه إلى القارئ- هل تستطيع أن ترجع معي بذاكرتك إلى الوراء قرونا، وأن تغمض عينيك، وتغوص عميقاً في التاريخ غير المكتوب لهذه المدينة الفريدة في تكوينها المكاني، والمعماري، والتي أثبتت أنها لا تشيخ أبداً، وذلك لتلتقط ما تبقى من بريقها ونظامها المتفرد؟ لقد تقادم الدهر بصنعاء القديمة لكنها لا تزال تقف في وجه الزمن حتى اليوم بمعمارها وجمالها الطبيعي تتحدى صنعاء الجديدة، وتزهو بمنازلها، التي كلما تصدعت أحجارها، وبهت لون آجرها، أو اختفى زادت جمالاً ونقاء، وزاد عدد عشاقها العريق، والحالمين بفنادقها التقليدية المسماة بالسماسر (جمع سمسرة) ليذوقوا لحظات الراحة في مدينة لا يتسلل إليها الخوف، وليس فيها مخابئ، ولا حوارٍ سرية كبعض المدن القديمة، فهي واضحة شفافة ما يكاد يختفي قنديل النهار (الشمس) حتى تضيء قناديلها الليلية الصغيرة التي تطل من وراء العقود الزجاجية الملونة فتبعث الراحة والأمن إلى نفوس المارة، وهواة النزهة المسائية في شوارع لا تعرف الانكماش، أو التمدد بفعل البرودة والحرارة.
على درج الضوء
أدركت أني
بصنعاء،
أن النجوم
إذا ما أتى الليلُ
ترقص في غرفِ
النوم
وحين توارب النساء النوافذ الخشبية صباحاً، تدخل الريح بنعومة عبر شقوق هذه النوافذ يسمع الناس صدىً لأغنيات كأنها قادمة من الماضي البعيد، ويصغون إلى موسيقى مترعة بالشجن العميق، وبقايا حكايات ترجع في أصولها إلى أقدم الأزمان. ومن المؤكد أنه ليس للجمال شكل ثابت متفق عليه، ولا هيئة خاصة، وإنما لكل إنسان ذوقه الخاص بتحديد أبعاد الجمال. هكذا يقولون، لكن الجمال الذي تتمتع به هذه المدينة يؤكد أن هناك قاسماً مشتركاً تلتقي عنده نواميس الحواس الحقيقية، ومنذ ربع قرن ,وأنا أرافق زوّارًا يأتون من الشرق والغرب، من العرب، والعجم، وفيهم شعراء وعلماء، وما من واحد منهم إلاّ وقد وضعته صنعاء في حال من الدهشة،والشعور بمعنى الجمال الأصيل الذي تتفق عنده كل الأذواق على اختلاف أمزجتها، لا أقول ذلك من باب التحيز لمدينتي الصغيرة، وإنما أنقل ما سمعته تماماً. وإذا كان لكل جمال أسراره الخاصة، فإن البساطة هي سر الأسرار في جمال هذه المدينة البديعة التي تجمع بين سحر الواقع وجمال الأسطورة.
يا لصنعاءً...
سيدة لا تبيح السفورْ
وترفض أن تقرأ الشمُس
أن يقرأ الليلُ أوراقها
أو يلامس سر الطلاسم في اللوحة
الغامضةْ.
-نقلاً عن مجلة العربي








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024