الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 09:56 ص - آخر تحديث: 05:05 ص (05: 02) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
الباحثون في ندوة التراث اليمني : يد العبث تطال موروثنا الشعبي



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


الباحثون في ندوة التراث اليمني : يد العبث تطال موروثنا الشعبي

الثلاثاء, 12-أكتوبر-2004
المؤتمر نت - عارف أبو حاتم - دعا الباحثون والمهتمون بالتراث اليمني الجهات المختصة إلى الإسراع في عمل برنامج وطني للحفاظ على خصوصية الهوية اليمنية من الاندثار والتراجع سيما في ظل نظام عولمي من المحتمل أن تتراجع أمامه الهويات المحلية .
وقال الباحثون في ندوة ( التراث اليمني بين الجمع و الدراسة والتدوين ) التي بدأت أعمالها اليوم في مؤسسة العفيف الثقافية إن التراث الشعبي اليمني غني ومتعدد في أشكاله وأنواعه و إن يد العبث بدأت تطال هذا الإرث العظيم .
وكان الباحث زيد صالح الفقيه قدم ورقة عن الدراسة (البيبلوغرافية للتراث الشعبي اليمني) في أولى جلسات الندوة أشار في مستهلهاإلى أن (أقدم كتاب بين يدي يتحدث عن هذا الموروث هو كتاب : الأمثال للأكوع الذي صدر في مصر 1964م ، ويليه الأستاذ / زيد بن على عنان ((اللهجة اليمانية في النكت والأمثال الصنعانيه )) ويعود تاريخ طباعته الى 1980م ، ويرى المؤلف (( أن كل الكلمات الدارجة في لهجتنا حميرية معظمها موجود في النقوش ، وقد لاتوجد في قواميس اللغة العربية ))
ومما ورد في كتاب زيد عنان المثال التالي :
(( صليت لك تقرب )) أصله أن قاطع طريق رأى مسافراً فخاف أن يحوّل طريقه وقام يصلي فوثق المسافر واطمأن وسار إليه فهجم عليه فنبهه قائلاً : أين الصلاة ؟ فأجاب عليه بذلك ، ويضرب هذا المثل لمن يتخذ الدين وسيله للدنيا .
وفي النكت التي وردت في الكتاب : أن رجلاً من ذمار دخل ليصلي صلاة الخسوف فزلقت رجله وجرح وسال منها الدم ، فعدل عن الصلاة قائلاً للقمر : ( تنزل فراتيت ) لأنه ظن أنه سيصلي من أجل سلامة القمر .
وأكد الفقيه على أهمية إصدار الأستاذ / عبد الله صالح البرد وني: ( كتاب فنون الأدب الشعبي في اليمن) ، فقد كان وما يزال أهم مصدر في مجاله لما حواه من الأغاني الشعبية ، والأهازيج ، والمغارد ، والزوامل وغيرها : إلى جانب أنه أفرد فصلاً خاصاً لتطور الأغنية الشعبية على يد مطهر الأرياني حيث يقول بعد حديثه عن سعيد الشيباني والفضول:
( أما الشاعر الذي تدفق من روح الشعب ولغته ، وشكليات أهازيجيه وأحدث تحولاً شعبيا غنائياً فهو الأستاذ الشاعر ، مطهر بن علي الإرياني، لأنه صدر في إبداعياتٍ من إبداعيات الشعب ، من أمثال قصيدته (( البالة )) ، ( وفوق الجبل ) ، ( ويا دايم الخير ) ، ( وجينا نحييكم ) .
وفي نفس العام صدر كتاب : (( أساطير من تاريخ اليمن )) لحمزة على لقمان يعرض فيه لعدد من الأساطير الشعبية المنتقاة عن تاريخ اليمن ، فيها القديم والحديث . ومن هذه الأساطير (( رنين الأجراس )) فقد اعتاد الناس في الأرياف تعليق النواقيس ( الأجراس ) حول أعناق الجمال ، والبقر ، والحمير ، والبغال . وليس الغرض تنبيه المشاة الى وجود الحيوان والابتعاد عن طريقه لكنها عادة قديمة منتشرة في كثير من أرياف العالم الغرض منها طرد الأرواح الشريرة والشياطين ووقاية الحيوان من العين الحاسدة . ))
وما يميز هذا الكتاب هو توثيقه للأساطير المروية عن الأقدمين ولعل الأساطير تختلف من منطقة الى أخرى فقد كتب الشاعر صالح السعيدي عدداً من هذه الأساطير في بعض أعداد مجلة الإكليل .
ويأتي كتاب (الأدب الشعبي اليمني) لمصطفى أبو العلا الذي صدر عن دار الهدى سنة 2001م ليجمع ما استطاع من بطون المؤلفات اليمنية وهو كتاب وثق لأكبر عدد من الأهازيج الشعبية والاغاني ، ويعيبه أنه اكتفى بالإشارة الى المصادر في قائمه مستقلة نهاية الكتاب ، وهذا أفضى الى عدم معرفة الباحث والقارئ المصادر بتحديد الاقتباس ففي ص152 يأتي
بأهزوجة مطهر الإرياني: هذه الأغاني والأهازيج على علاتها دون التيقن من صحتها ، وهذا يؤكد رأي الأستاذ البرد وني:
ـ الله معه أينما سار : يحميه ويحمي ضويةْ
ـ غزّر له الله الأمطار : وأعطاه غلة هنيةْ
ـ يعمر بموفورها دار : ويصطفى له صبيهْ
وهناك مآخذ أخرى على هذا الكتاب أنة أخذ دب الشعبي لا تكتبه الأكاديميات بل يكتبه المثقفون بهذه الثقافة من أبنائها .
ثم قدم الباحث زيد الفقيه عرضا مختزلاً لكتاب (الأمثال اليمانية) للقاضي إسماعيل الأكوع.
وقدم الباحث محمد سالم الحداد ورقة عن (الموروث الثقافي في المناطق الشرقية والتجربة التي مرت بها أثناء البحث) أشار فيها إلى تنوع الفلكلور في المناطق الشرقية وما تحتاج إليه من بحث أكبر، وأوسع فمنطقة مراد مثلاً تمتاز بلعبة شعبية جميلة اسمها (الباله). ويتبارى فيها الشعراء بالإضافة إلى تلك الرقصة المصاحبة لها ومنطقة وادي عبيدة وادي سبأ تمتاز بالمهيد الجميل (حادي العيس) ومنطقة حريب تمتاز بما يقارب البالة مأخوذاً عن السمرة في شبوة مثل المساجلات الشعرية بالإضافة إلى إتقان زامل الشواعة ومنطقة جهـم وخولان لها امتياز في الزوامل والبالة أيضاً نزولاً إلى بيحان حيث تمتاز بلعبة العسكرة الجميلة بمصاحبة الطبل والمزمار ثم إلى منطقة شبوة والامتياز الجميل لها في السمرة وأيضا الموكب. كما سنتعرض لذلك مفصلاً في هذا السياق.
لكن هناك معاناة وعوائق سيتعرض لها الباحث إن كان من المنطقة فإن معاناته ستتضاعف كثيراً فأول شيء يصطدم به الباحث: كيفية إخراج ما يريده من الشعر من الشخص المسن الذي يتحفظ كثيراً عن عدم إلقائه لما يحفظه من الشعر عن أي شخص وعن نفسه بالإضافة إلى اصطدام الباحث باللهجة ومفرداتها إن كان من غير المنطقة فالعوائق كثيرة وتختلف من منطقة إلى أخرى.
هناك المسافات التي سيقطعها الباحث لأن المنطقة إما زراعية أو رملية أو جبلية بالإضافة إلى أنها متباعدة القرى وقد يجد نفسه ملزماً بتوفير سيارة ومعرف أيضاً للقرية أو المنطقة التي ينشد فيها ذلك المرجع الشفوي وقد يصطدم بعدم وجوده فيرجع خاوي الوفاض وينعكس ذلك الإخفاق على البحث الذي هو بصدده.
تميزت اليمن خاصة والجزيرة العربية عامة بكثرة الإبل ويتميز أهل المناطق الصحراوية بتربيتها ويتبارى شيوخ المناطق الصحراوية في اليمن وفي كل المناطق الصحراوية من الجزيرة العربية في من يملك منهم القطيع الأكبر من الإبل ويتفننون في تسميتها ويتباهون بها.
ففي محافظة شبوه في منطقة العوالق هناك فلكلور اسمه (الموكب)
والموكب من الأهازيج الشعبية وهو فلكلور شعبي جميل تمتاز به محافظة شبوة ومنطقة العواذل أبين ومنطقة حريب محافظة مأرب. وأيضاً منطقة البيضاء ومنطقة آل عواضي. وكذلك منطقة مراد كل هذه المناطق تؤدى فيها أهازيج الموكب وتتنوع التسمية لهذا الحدث الجميل من منطقة إلى أخرى. فمثلا منطقة العوالق تسميه (بالمحف) ويقال اليوم (وكَّبنا بتشديد الكاف) وسوينا (محَف) بفتح الحاء. ومنطقة العوالق تمتاز بإجادة هذا الموكب ويتفننون في تأديته غير عابئين بحر الشمس المحرقة. وستأتي كيفيته في السياق، وقبل أن ندخل في التفاصيل، لا بد أن نوضح دواعي إقامته.
يقام الموكب في الأعراس وفي الثالث. فالثالث يقام عندما يتوفى أحد البارزين في القبيلة أو أحد الأعيان، وطبعاً المشائخ ما كبر أعظم. ويحدد الموعد يوم الثالث ويسمى ثالث فلان باسم المتوفى. وتهرع مجموعة من القبيلة أو من الساكنين عندهم لإبلاغ القبائل الأخرى بالوفاة والموعد وكذلك يتم الإبلاغ إن كان الحدث فرحاً بوصول ضيوف من منطقة نائية أو إقامة الأعراس. أما كيفية الموكب بصورة عامة فهي كالتالي:
يصطف المستقبلون في مجموعة كبيرة لاستقبال الموكب بصورة عامة، وهؤلاء القادمون ليسوا بشرذمة قليلة بل يتجاوزون المائة، وقد تتحدد قبيلتان في قدومهما ويتضاعف العدد ويصيغ أحد الشعراء القادمين ضمن المجموعة زامل القدوم. ثم يتوقفون عندما تصبح المسافة الفاصلة بينهم وبين المستقبلين مقدار خمسين خطوة، ثم تحدث همهمة في صف المستقبلين ويبرز ثلاثة من كبارهم وتنخرط مجموعة كبيرة منهم على شكل طابور ثنائي يتقدمهم من الأمام الثلاثة ويتقدم أحد الشعراء من المستقبلين ويخاطب الطابور أي (الموكب) بكلمات الزامل وهي على هذا البحر:
مستفعلن مستفلعن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن
حيا بكم يا ذي ولبتوا عندما ما يرخي الماطر على روس الحيود
ويستمر الموكب لمدة ثلاثين دقيقة أو أكثر، ثم يرجع طابور الموكب إلى ما كان عليه أثناء الاستقبال وينزل موكب من القادمين يتقدمه ثلاثة من كبارهم وهو أيضاً طابور ثنائي ويصيغ شاعرهم زامل الموكب ويدوران في حلقة مفرغة تارة أمام صف مستقبليهم وتارة أمام صف زملائهم، ويجوز أن يتبارى الشعراء في كلا الصفين وهكذا دواليك كلما أتت قبيلة يوكبون لها المستقبلين، ثم يكون القضاء من القادمين حتى زوال الشمس، ثم يصطف الجميع ويتجهون نحو المخيم الذي أقيم للمناسبة أو للبيوت مباشرة إن كانت هناك أماكن واسعة، ويتناولون وجبة الغداء.
السمرة: إحدى الأهازيج الجميلة التي تمتاز بها محافظة شبوة مثلها مثل سائر المحافظات الأخرى التي تتمتع بهذا النوع الذي ينمي قرائح الشعراء. وكل نهج أو جهة تسميه باسم خاص. فمثلاً في المناطق الجبلية لليمن يسمونه (بالبالة) ونهج حضرموت يسمونه (الشبوانية) وفي محافظة شبوة يسمونه (السمرة).
والسمرة عادة ما تقام في الأعراس ولها شروط إذ بدون هذه الشروط لا تقام السمرة ولها كيفية جميلة نوردها كالآتي:
يتكون رواد السمرة من صفين متقابلين كل صف عدد رواده يتراوح ما بين عشرين إلى خمسة عشر شخصاً وأحد الشروط للسمرة الصفين: والشرط الثاني ضارب الطبل الذي يقف دائماً بين الصفوف والشرط الثالث حضور (المهمل) الذي يشترط فيه أيضاً أن يكون جميل الصوت ذا نفس طويل. والشرط الرابع أن يكون موجود شاعر أو أكثر من شاعر إذ بدونهم أيضاً لا تقاسم السمرة..
الشاعر
الشاعر يكون أحد شروط السمرة إذ بدونه لا تقام السمرة فإذا ما افترضنا عدم وجود الشاعر وأقيمت السمرة على أمل أن يعاد ما حفظوه من شعر قبل عدة ليال فإن السمرة تستمر لمدة عشر دقائق أو خمسة عشر دقيقة ثم يضجر الجميع ويوقفون السمرة. إذاً للشاعر أهميته. والشاعر يأتي من نفس القرية أو المدينة أو يرسلون أحدهم لإحضاره من منطقة أخرى لينافس هذا الشاعر أو ذاك. فعند بدء السمرة يدخل الشاعر ويبلغ سلامه للحاضرين شعراً ويبدأ التنافس بين الشعراء حول حدث ما وقع في نفس الآونة فيتعمد الشاعر المتمكن من استعمال الرمز والتتويه..
مثال على ذلك إذا توقع الشاعر قدوم جولة حربية أو غزو قبيلة على أختها أو أكبر من ذلك غزو دولة على جارتها فإنه يرمز بأن السيل آت وسيكون هذا السيل عرمرماً وقد يكن هناك رمز آخر..
المهمِّل
هو الشخص الذي يتغنى بالشعر على طريقة الموال ويعتبر قائد الحركة لهذه اللعبة أي السمرة وموقعه دائماً في وسط الصف. فيبدأ بالدان ويختار اللحن المناسب وطبعا لكل لحن لازمة معتادة ومعروفة لكثرة سماعها في الأعراس: والألحان كثيرة ذات بحور خفيفة ومتوسطة وطويلة ولا يبدأ المهمل إلا بعد رص الصفوف وحضور كل من الشاعر وضارب الطبل.
ضارب الطبل:
يقال لضارب الطبل (الطبال) وهو أحد شروط السمرة إذ بدونه تكون السمرة ناقصة من أحد شروطها والطبال عادة ما يكن من العمال العاديين أو الحرفيين. ويحظى بتقدير الجميع ومحبتهم له والآلة التي يضرب عليها بيديه تسمى (الطبل) وتسمى (الهاجر) جمعها (هواجر) .
الصفين
يتكون الصفان من الرجال الذين لهم خبرة بالسمرة وإجادة الغناء وحفظه مباشرة بعد سماعه من الشاعر أو المهمل. لأن الشاعر القوي المعتد بنفسه يلقي البيت والمهمل يمول به أيضاً ثم يردف الشاعر بالبيت الثاني والمهمل بدوره يمول به وأما البيت الثالث فيعطي الشاعر إشارة للمهمل أنه الأخير عندها يعطي المهمل إشارته للصف التابع له فيتحرك الجميع بالرقصة الخاصة بالسمرة بالإضافة إلى أدائهم للبيت بالصوت الجماعي. عند ذلك يستعد الشاعر الثاني للدخول وهكذا دواليك.
من جهتها قدمت الباحثة أروى عبـــده عثمـــان ورقة عمل عن(الحكايةالشعبية بين التوثيق والدراسة) أكدت في بدايتها على إن الجمع والتدوين مازالات مقصورين على أولئك الأساتذة لكن قد يكون هناك جهود أجنبية في تدوين الحكايات الشعبية كجهود السفير الألماني الأسبق ، وجهود أخرى ..
والتراث المتنوع في اليمن لا يأتي من اختلاف طبيعة المناطق جغرافياً ، واجتماعياً فحسب ، ولكنه يأتي حتى في إطار المنطقة الواحدة فترى منطقة صغيرة ذات إطار جغرافي محدد يحمل أنماطاً مختلفة للون واحد من ألوان التراث سواء كان في الشكل الفني ، أو مضمونه الإنساني .
وبرغم هذا التنوع ، والتعدد .. إلا أن ذلك التراث مازال خاماً رهين أذهان الأجداد والجدات الباقين على قيد الحياة . ويسقط تباعاً تبعاً لدورة الحياة الطبيعية . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى وبشكل مباشر وسافر يسقط أيضاً تحت العبث من مسخ وتشويه لأقوام من نفس البلد ، ومن خارجها أيضاً " كدول الجوار " وأكثر هذه الأشكال تعرضاً لهذا التشويه هي " الفنون الشعبية " .
وفي مجال الحكايات الشعبية استطاع ثلاثة من الكتاب المتحمسين وأيضاً بجهود صرفة أن يدونوا بعض حكاياتنا الشعبية في كتيبات ، وكان السبق والفضل يعود للأستاذ الأديب والقاص / علي محمد عبده الذي استطاع في عام 1977م أن يجمع عشر حكايات ، ثم تلتها الطبعة الثانية عام 1985م لتضم بين طياتها حكايتين جديدتين بجانب حكايات الطبعة الأولى لتصبح مجموعهما اثنتي عشر حكاية ، وبمقدمة كتبها الدكتور المعروف / علي الراعي.
لقد أراد أستاذنا علي محمد عبده هدفين من وراء تجميع هذه الحكايات أولهما الخوف عليها من الاندثار ، وثانيهما أن يمحي الصورة التحقيرية والسيئة لحكاياتنا الشعبية من أنهار كلام عجائز أو سمامي نسوان أو حزويات .
المكونات الثقافية للحكاية الشعبية
حكاياتنا الشعبية كأحد أشكال التعبير الإنساني مثلها في ذلك مثل الحكايات الشعبية في أي بلد من البلدان ، والتي ترجع في أصولها إلى مختلف حقب تاريخ المجتمع البشري إلى عهود الأديان والمعتقدات والأساطير ، والتصورات البدائية والفطرية التي تشكلت فيها بنية الحكاية الشعبية وشكلها ، والتي تتشابه في الكثير من موتيفاتها مع حكايات الشعوب الأخرى .
واليمن كغيره من الشعوب عرف من العبادات البدائية القديمة كالديانة الطبيعية " السحرية كعبادته للأشجار والأحجار ، وكذلك عرف الديانة الطوطمية التي قدس فيها الحيوان واتخذها رمزاً للقبيلة التي تقوم على أواصر صلات الدم كذلك عرف الديانة الوثنية ، ثم الديانة التوحيدية كالإيمان بإله مرئي يمثل كوكب من الكواكب الثلاثة الكبير (الشمس والقمر ، والزهرة) بالإضافة إلى الأديان السماوية وآخرها الإسلام .
لقد آمن شعبنا اليمني بكل هذه الديانات ، ومارس طقوسها لأغراض شتى منها تقرباً للآلهة ، أو الخشية منها ، واتقاءً لغضبها .. ثم لا ننسى إشباع الجانب الروح عن ممارسة هذه الطقوس .
وكل عناصر هذه العبادات والمعتقدات تمثلتها حكاياتنا الشعبية ، فنرى في طياتها الممارسات الوثنية والفشتية والممارسات للديانات السماوية حتى الرمز الطوطمي له ممارسته في إطار القبيلة والعشيرة حتى يومنا هذا .. فكثير من الأشكال الشعبية ترتد أصولها إلى تلك الحقب التاريخية بكل قوتها ، وضعفها .. ومازالت تمارس تمظهراتها في ثنايا ممارستنا اليومية مثل بعض الطقوس كزيارة الأضرحة ، وتقديم القرابين ، وتعليق بعض التمائم وحتى كثير من الآثار والمخطوطات تحفل بهذا الموروث الشعبي.
ولقد تعرضت اليمن على وجه الخصوص لكثير من الصراعات ، وخاصة الصراعات الدموية خلال تاريخها الطويل سواء أكان هذا الصراع في إطار القبيلة أو في إطار الدولة أي حروب أهلية أم كانت حروب خارجية وسواء انتهت هذه الصراعات والحروب بالنجاح أو الفشل فلا شك أنها تركت أثراً وجدانياً ونفسياً.. والثقافات الوافدة ، انعكست على الأشكال التعبيرية والثقافة الشعبية على وجه الخصوص ، ولا ننسى أحداث دخول الأتراك اليمن وما جلبوه من ثقافتهم لثقافتنا مثل ورود كثير من المسميات وخاصة في الأغاني الشعبية مثل " الهركللي " الشركسي ".
وخلصت الباحثة أروى عثمان إلى أن معوقات توثيق الحكاية الشعبية تتمثل في النزول الميداني لتسجيل بعض أشكال التراث وبجهود فردية خالصة-
أن مثل هذه الجهود تتم فردياً في ظل ظروف اقتصادية معيشية قاسية، فمعروفٌ أن النزول الميداني يتطلب المال بجانب الوقت والجهد. حتى هذا الجهد الفردي لأناس غير متخصصين يكون عرضة للعشوائية ، فيتم مثلاً بأدوات تسجيل بدائية ، لا يتحرى الجامع نوعية الكاسيتات ، أو وجود الراوي في مكان هادٍ ، فيتم الجمع أحياناً في المقيل ، ويكون عرضة للطرح ، والجذب .. الخ ومعروف ( هدرة المقايل ) ..
و بحكم أن حامل الحكايات الشعبية، والمحافظ والممارس لها المرأة ، فإن الباحث/ الموثق يقع في مشكلة توثيق الحكاية بواسطة المسجل باعتباره آلة توثيق مهمة ، لاعتبارات عديدة العيب منه ، والحرام مؤخراً ، وأخيراً المسجل يربك الراوية ، والراوي أحياناً ، فلا يجعلهما يسترسلان في الحكي ، (فالجهبة) التي يأتي بها المسجل تختفي معه الإشارات ، والإيماءات ، وحركات التمثيل عند رواية حدث مشوق ، أو حدث فجائي .. الخ .
والمعوق الكبير الظروف الاقتصادية والمعيشية ، فمعظم أهالي الريف يقعون تحت خط الفقر. بالإضافة إلى حركة المد للإسلام السياسي المتزمت والمتعصب .. هذا التأسلم لعب دوراً ليس بالعادي في إجهاض الفلكلور والقضاء عليه ، خصوصاً الفنون الشعبية.
(دراسة اللهجات اليمنية وتوثيقها- رؤية ومنهج) كان عنوان ورقة العمل التي تقدم بها الباحث المعروف عبد الله خادم العمري والتي أثار في بدايتها عددا من الأسئلة : لما ذا الاهتمام بدراسة وتوثيق اللهجة ؟ هل ذلك مؤشر لإحلالها محل اللغة ؟ أليست اللغة هي هوية العرب ؟ والفصحى لغة القرآن ؟ وعماد الإسلام لأنها بمثابة ركن من أركانه إذ لا تجوز قراءة الفاتحة في الصلاة إلا بالفصحى؟ إن اللغة العربية ثابتة وراسخة القواعد كالجبال الرواسي ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل اللهجة محلها لأن اللهجات متعددة في الوطن الواحد بل وفي المجتمع الواحد والإقليم الواحد .
وتظل اللغة العربية هوية كل عربي وعماد الإسلام، واللهجة منها وإليها وهي العامل الوحيد على استمرار حيويتها ، فهي لغة العامة اليومية منذ القدم ولم تكن وليدة الساعة أو العصر.
اللغة واللهجة والعلاقة الجدلية
لقد كثر الاختلاف في من سبق في الظهور ( اللغة أم اللهجة) وصار الخلاف في ذلك نوعا من الجدل " البيزنطي " كالدجاجة والبيضة.
إن اللغة كائن حي متطور بتطور الحياة ولا سبيل لتطورها سوى تغذيتها باللهجة، فالمفردات التي كان يستخدمها امرئ القيس كشاعر مبدع في عصره وغيره في أي بقعة من الوطن العربي لم يستخدمها البردوني كشاعر مبدع في عصره أو غيره في أي قطر عربي ، وإن استخدمت لا يمكن للمتلقي الوصول بسهولة إلى فهمها إلا من خلال القواميس والمعاجم .
اللهجات العربية القديمة هي لغات بحد ذاتها وأهم اللغات اليمنية القديمة(الحميرية.)
ومن خلال هذا العنوان ينشأ سؤال يطرح نفسه ما هي العلاقة بين اللغات القديمة واللهجات اليمانية ؟ ؟
وتأتي الإجابة على هذا السؤال من سياقنا حديثنا الآتي :
تعتبر اللهجات " اللغات " العربية القديمة ومنها اليمنية ـ إلى جانب الفصحى ـ من أهم مصادر اللهجات اليمنية المتداولة اليوم .
إن (( اللهجة اليمنية أصلها من اللغة الحميرية ، وهي من اللغات التي تكونت منها العربية الفصحى، حيث إنَّ العربية الفصحى لم تنشأ من لغة الحجازيين فقط، وإنما تكونت من أفصح ما فيها وما في اللغات العربية الأخرى التي كانت سائدة حينئذ ، حيث أن مكة بها الكعبة المشرفة التي يقدسها كل العرب من قديم الزمن سائدة ويحجون إليها من كل مكان ويمر بها التجار للتجارة وبها سوق عكاظ الذي يؤمه فصحاء العرب من كل مكان ويقدمون فيه أبدع ما لديهم من روائع الشعر، كل ذلك ساعد على أن تكون لغة الحجازيين "قريشاً" أفصح اللغات لاكتسابهم من كل لغةٍ أفصحها، إضافة إلى ذلك كله أنَّ القرآن الكريم نزل بلغتهم ولم يأت من اللغات الأخرى إلا بالشيء اليسير مما جعل المفسرين يسمونه "الغريب من القرآن" ، ومن ثمَّ أصبح البحث عن معاني تلك الكلمات صعباً ولا يستطيعون معرفته إلا باللجوء إلى تلك اللغات التي أصبحت تسمى "لهجات" ومن خلال قصائد شعرائها وأصبح ما في اللهجات الأخرى من "عيوب" – كما يسميها بعض اللغويين- مشهوراً لدى العرب جميعاً. ويتضح ذلك مما رواه الجاحظ "عن مجلس من مجالس "معاوية " فقال: " وقال معاوية يوماً: من أفصح الناس؟ فقال قائل: قوم ارتفعوا عن لخلخانية الفرات وتيامنوا عن كشكشة بكر، ليست لهم غمغمة قضاعة ، ولا طمطمانية حمير، قال: من هم؟ قال: قريش قال : فمن أنت؟ قال : من جرهم ، قال : اجلس" ..
وما يجدر بنا الإشارة إليه أن بعض المفردات اليمنية ليست مدونة في القواميس وفي الأصل هي فصيحة ، ولكن مؤلفي القواميس والمعاجم لم يصلوا إلى أماكن استخدامها، وهناك ما يكون من المفردات فصيحا، ولكنه يستخدم مجازيا أو اشتقاقا ونحتا ويختلف من منطقة لأخرى في القطر الواحد، لذلك يجب دراسة اللهجة وتوثيقها من بعد معرفة مصادرها ووضع الأسس والمناهج من أجل تحقيق ذلك .
وهنا يبرز سؤال يطرح نفسه ما هي مصادر دراسة وتوثيق اللهجات اليمانية ؟
مصادر دراسة وتوثيق اللهجة متعددة وأهمها:
أولا : البحث الميداني ، والمقابلات الشخصية , التراكمات المعرفية.
ثانيا : المصادر المطبوعة في مجال التراث الشعبي (الفلكلور )
إن أفضل السبل لدارسة وتوثيق اللهجات اليمانية هي:
أولا : الدمج في عدة مناهج (الاستقرائي والتحليلي والاستنباطي والبحث الميداني " الانثروبيلوجي " .
ثانيا : الاستفادة من المصادر المثبتة وما توفر في هذا المجال لاحقا .
ثالثا : الاستفادة من المراجع المثبتة في نهاية هذا البحث وما توفر من إصدارات لاحقا في هذا المجال في بلد عربي أو غير عربي .
رابعا : أن يهتم الباحث بالمرتكزات والضوابط التي أوردتها في كتابي " الأدب الشعبي العربي من مهد التواصل إلى قمة الترابط والخصوصية اليمنية .
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

محمد "جمال" الجوهريقراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)

28

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالسِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم

22

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024