الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 08:33 ص - آخر تحديث: 07:17 ص (17: 04) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
فيدرالية النظام السياسي المعيني



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


فيدرالية النظام السياسي المعيني

السبت, 26-فبراير-2005
المؤتمر نت- عبد الله المعافري - من المعلوم لنا ولكل المهتمين بالتاريخ القديم لممالك جنوب شبه الجزيرة العربية أن أنظمة الحكم السياسية غالبا كانت ملكية يرأسها ملك بغض النظر عن تفاصيل هذا النظام أو ذاك في مملكة معين أو سبأ أو مملكة أوسان وغيرها من الممالك في جنوب شبه الجزيرة العربية ( اليمن) وبالنسبة لمرونة نظام الحكم في أي مملكة يعتمد بدرجة أساسية على مدى تحضر مجتمع المملكة وتمدنه؛ أي مدى درجة الحرية التي يتمتع بها الفرد ضمن الجماعة التي ينتمي إليها وبالتالي إلى الجماعة الأوسع التي تشكل المجتمع بمفهوم اليوم.
ولا نبالغ إذا (نحن) أطلقنا على المعينين ووصفناهم بأنهم أوائل أو رواد التمدن في اليمن القديم ولم يكن هذا الوصف مجافياً لما كان فعلاً يمارس في حياتهم السياسية كما تبين ذلك من خلال مخلفاتهم الأثرية الامادية وما أباحت به نقوشهم التي خلفوها، في المعابد والقصور وعلى أسوار المدن ومسلات الأسواق، فقد أفصحت لنا تلك النقوش عن شكل نظام الحكم في مملكة معين والتسلسل الهرمي فيه، إذ يبدأ ( بالملك) الذي كان يرأس الحكومة المركزية في العاصمة. وذكرت لنا تلك النقوش أنه كان يجوز أن يشترك شخص أو شخصان أو ثلاثة في حمل لقب (ملك) إلى جانب الملك نفسه، شريطة أن يكون أي منهم أقرباء الملك الأدنين كأن يكون ابنه أو شقيقه. وما يؤكد تلك الحقيقة هو العثور على نصوص أثرية لقب فيها أبناء الملك أو أشقاؤه بلقب (ملك) وذكروا مع الملك في النصوص، ولم نسمع أنه عثر على نصوص تذكر أشخاصاً حملوا لقب ( ملك) إلى جانب الملك الفعلي وهم لا يقربون له.
وربما يتم العثور على نصوص أكثر وضوحاً وإفصاحاً عن هذه المسألة في قادم الأيام إن تواصلت الأبحاث الأثرية وانتظمت أعمال التنقيب العلمي في المواقع الأثرية المعينية في الجوف وغيرها من المدن القديمة والأوبر التاريخية التي شغلها المعينيون بشكل دائم أو كانت محطات تجارية أنشئت على طريق تجارة البخور والطيب التي كانت العمود الفقري لنشاطهم التجاري النشط.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام الحكم في مملكة معين لم يكن حكماً ملكياً تعسفياً بمعنى أن السلطة الفعلية مركزة بيد الملك، أو الملوك بشكل عام، بل كان الحكم فيها يتسم بالمرونة والاعتدال.
وقد انعكس ذلك إيجابياً على حياة المجتمع في مملكة معين وظهر جلياً في قلة حروبهم وامتداد فترة حكمهم التي صاحبها استقرارٌ في شتى مناحي الحياة: الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها، نتيجة الاستقرار السياسي الذي ترتبط به بقية النواحي الأخرى في حياة أي مجتمع؛ سواء في سالف الأزمان أو في وقتنا الحاضر
(فقد كان الحكم معتدلاً استشارياً يستشير الملوك أقرباءهم ورجال الدين وسادات القبائل ورؤساء المدن ثم يبرمون أمورهم، ويصدرون أحكامهم على شكل أوامر ومراسيم تفتتح باسم آلهة معين، ثم اسم الملك، تعلن كتابة ليطلع عليها العامة والخاصة أي بنفس الطريقة التي تنشر بها القرارات اليوم، إذ يتم نشرها في الجرائد الرسمية للدولة).
وقد كان ، لكل مدينة حكومتها الخاصة بها، ولهذا فقد أطلق على حكومة معين أنها فيدرالية مكونة من حكومات مدن، بمعنى أن كل مدينة فيها حكومة صغيرة، لها آلهة خاصة تتسمى باسمها، وهيئات دينية ومجتمع يقال له (عَمْ) بمعنى أمة أو جماعة وقوم، ولكل مدينة مجلس استشاري يدير شؤونها في السلم وفي الحرب وهو الذي يفْصل في الخصومات التي قد تنشأ بين الناس وينظر في شئون الجماعة (عم).
وكان رؤساء القبائل يبنون دوراً يتخذونها مجالس تشبه ( دواوين الشيخ) التي لازال معمول بها اليوم في المحافظات الشمالية التي لم تتطور فيها العلاقات الاجتماعية وتركيبة المجتمع تماشياً مع العصر الحديث والحضارة المعاصرة، بل لازالت العلاقات التقليدية هي السائدة في اليوم.
وكانت تلك الدُّور تتخذ مجالس يجتمعون فيها لتمضية الوقت وللبت في الأمور وللفصل بين أتباعهم وأشياعهم في خلافاتهم، ويسجلون أيام تأسيسها وبنائها.
كما يسجلون أي ترميمات أو تحسينات يُدخلونها عليها وكانت تعرف عندهم تلك الدور بلفظة ( مزود) (1) ولكل مدينة (مزود) وقد يكون لها عدة مزاود بحسب شساعتها وامتداد رقعتها بحيث يكون لشعابها وأقسامها مزاود خاصة بها للنظر في شؤون ذلك الشعب وما قد يحدث من مشاكل أو خلافات. ويمكن تشبيه المزود بدار الندوة عند أهل مكة، وهي الدار التي كانت لقصي بن كلاب. كانت قريش لا تبت في أمر الا فيها، حيث كانوا يتشاورون فيها في الأمور العظيمة كالسلم والحرب وكما أخبرتنا كتب السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام حين كانت قريش تجتمع في تلك الدار للتآمر على الدعوة الإسلامية.
· وتتألف مملكة معين من مقاطعات على رأس كل مقاطعة ممثل عن الملك يعرف عندهم بـ ( كبر) أي ( الكبير) ومن المرجح أنه كان لا يتدخل إلا في الشئون السياسية التي تخص المسائل العليا المتعلقة بحقوق الملك وبشعب معين. ويرد اسم الكبير بعد اسم الملك في النصوص على عادة أهل معين وغيرهم من ذكر الآلهة أولاً، ثم الملك يليه الكبير في كتاباتهم التي يدونونها ليطَّلع عليها الناس، وكذلك دخل الحكومة من الضرائب ومن واردات الأراضي الحكومية التي تستغلها أو تؤجرها للناس ( بجعل) يتفق عليه. أما الضرائب فتؤخذ من الزُّراع والتجار وسائر طبقات الشعب الآخر، يجمعها المشائخ والحكام والكبراء كونهم الهيئات الحكومية العليا، وبعد أخذ حصصهم يقدمون ما عليهم للملك وأما الواردات الأخرى، مثل تأجير أملاك الدولة فتكون باتفاق مع المستغل أو المستفيد، وبعقد يتفق عليه الطرفان ومن الضرائب التي وردت أسمائها في الكتابات: كتابات العقود ووفاء الضرائب والديون، منها مثلاً ضريبة دعيت بـ ( فرغم) أي ( فرع) وضريبة عرفت بـ( عشرم) أي عشر وتؤخذ من عشر الحاصل، وهي العشر في الإسلام الحنيف(2)

كذلك كانت المعابد لها جبايات خاصة بها وأ راض واسعة تشبه أوقاف المساجد والمدارس في الإسلام، كما كان لها موارد ضخمة من النذور التي تقدم إليها باسم الآلهة المعينية عند شفاء شخص ما من مرض ألمّ به، أو عند رجوعه سالماً من سفر وعند عودته صحيحاً من غزو، أو حرب، وعند حصول شخص على غلة وافرة من أرضة أو مكسب كبير من تجارته وغير ذلك. ولهذا كان للمعابد ثروات ضخمة وأملاك واسعة ومخازن كبيرة تخزن فيها أموالها، ويعبر عن النذور والهبات التي تقدم إلى المعابد بلفظي ( كبودت) و ( اكرب) ( أقرب) أي قدم قرباننا يتقرب به إلى الآلهة، وتدون عادة في كتابات تعلن للناس، يذكر فيها اسم المتبرع الواهب واسم الخاصة اشارة لذلك التبرع مثل ( يوم وهب) ( ويذماد بن يدهس) أي بذات يده. وقد وصلتنا نصوص كثيرة من نصوص النذور وكشفت لنا كثيراً من جوانب الحياة الدينية واليومية للمجتمع المعيني والمناسبات التي يُحتفي بها والتي تميزهم عند غيره من العرب الجنوبيين في الممالك الأخرى.
ومجمل القول: إن النقوش التي كانت تكتب ليراها الناس وتتحدث عن الأموال العامة تشبه ما يمكن تسميته اليوم الميزانية السنوية للدولة والحكومات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تقدم علم الإدارة لدى المعينين وإتقانهم له خاصة وأنه يتفق وتمدنهم، كونهم قوم اشتهروا بالتجارة ويرعوا فيها.

الحواشي
1. المزود: بحرف الزاي، وهو أقرب إلى السين ويكتبه عندهم بعض الباحثين (مشود)
2. وردت في نقش نسب للرحالة جلاز.

المرجع: المفصل في تاريخ العرب ج 2/ جواد علي اليمن في المصادر الفلاسكية/ مترجم من الكتابات اليونانية.

comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024