المؤتمرنت - د . ابتهاج الكمال - انتشرت في الفترة الأخيرة مفاهيم جديدة تعبر عن واقع جديد يعكس توجه المجتمع الدولي إلى تحقيق الأمن والسلام مثل: (التعاون- السلم الدولي- الديمقراطية- الانفتاح- الإصلاح)، بعد أن كانت (الصراعات- النزاعات- الثورية- القمعية) هي المفاهيم السائدة طوال قرون عديدة بسبب ظروف الاحتلال، والعهد الإمامي.
فقد أخذت هذه المفاهيم تنمو نمو الأحداث الدولية، وأصبحت ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات، والتقدم العلمي، والتبادل المعرفي حاجة ملحة لأي شعب يتطلع إلى التطور، وهو الأمر الذي جعل اليمن تتخذ من التعاون والتبادل سبيلاً لتحقيق أهدافها، وبناء ديمقراطيتها، وإرساء ثقافة جديدة قائمة على احترام الآراء والاتجاهات المختلفة بقصد التخلص من موروث فرض عليها خلال عهود سابقة من الحكم التعسفي تحت نير الإمام، أو قوى الاحتلال في الجنوب.
إلاّ أن الدولة اليمنية -في مرحلة تاريخها- أخذت بالانفتاح على التعددية الحزبية، والممارسات الديمقراطية، وحريات المرأة، وغيرها من المفاهيم العصرية، وكان لابد من التساؤل فيما إذا كانت الديمقراطية نهجاً لابد منه في الحياة السياسية اليمنية، أم أنه حاصلُ تحصيل حالة انتقالية معينة؟
لاشك أن الديمقراطية اليمنية تستمد شرعيتها من أسس ومبادئ إسلامية، شرعها القرآن الكريم في قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وكذلك في (لا إكراه في الدين)، وبالتالي فإنها لابد أن تكون مطلباً أساسياً في دولة مسلمة كاليمن، وينبغي أن تتحدد بضوابط الحقوق والواجبات، التي تمليها العقيدة الدينية، ثم القيم والأخلاق المستمدة من تراث المجتمع اليمني وعاداته وتقاليده، وإلاَّ فإنها بغير ذلك تفقد مصداقيتها وأهميتها، وضماناتها.
فالديمقراطية ليست مجرد مؤسسات سياسية، أو انتخابية، وتعددية حزبية، وحرية صحافة، بقدر ماهي تحولات عميقة في بنية المجتمع، وثقافته السياسية، وأنها تبدأ بالإنسان أولاً، دونما أن تقتصر على المظاهر الخارجية لحياة المجتمع.
والديمقراطية نهج وأسلوب يتبع في الآلية الوظيفية للمؤسسات الحكومية، كما هو الحال مع مؤسسات المجتمع المدني، الرامية إلى توسيع رقعة الحريات والمشاركة الجماهيرية في صنع القرار، وفي الحياة العامة وفق ضوابط محدودة.
ولعل سوء استخدام الديمقراطية في اليمن من قِبل بعض القوى، أو الأفراد يعود لأسباب يمكن تلخيصها، بالآتي:
1- ضعف التثقيف الديمقراطي للمجتمع، مما ينعكس ذلك سلباً على الممارسة الديمقراطية نفسها سواء داخل الأحزاب، أو منظمات المجتمع المدني وينشأ عنها ممارسات خاطئة.
2- الاتجاه نحو خلق ممارسات ديمقراطية دون بلورة فكر ديمقراطي قائم على ثوابت مبدئية يترجم الرؤى المختلفة للقوى السياسية بما يعطي كل طرف خصوصيته السياسية.
3- فهم الديمقراطية من منطلق غربي دون خصوصية واقعية تحدد معالم واضحة لما هو ملائم لظروف المجتمع، وتراثه، وتركيبته، ومستوى تعليمه، وغير ذلك من الأمور التي لا تجعل الديمقراطية اليمنية محض حريات مطلقة أسوة بالغرب.
4- تقديم المصالح الحزبية، أو الفئوية، أو الشخصية في ممارسات الأفراد والمؤسسات والجماعات.
5- قصر زمن التجربة الديمقراطية اليمنية قياساً بتجارب الدول الأخرى هو ما يجعلها في حالة حراك ساخن إلى أن تبدأ تجاربه بالنضوج وكسب استقرار تدريجي ونوعي.
وبما أن الدولة هي البيئة الفعلية التي تجري في إطارها الأحزاب ، وتتحرك فيها مختلف القوى، فإن دورها تجاه تطبيق الديمقراطية مرهون بعوامل عديدة، أهمها القدرة على تنفيذ متطلبات التطور الديمقراطي.
فالتطور الديمقراطي الناجح يرتكز على رفع الوعي السياسي العام، والثقافة السياسية للمشاركة، والبناء القانوني والمؤسسي للمجتمع المدني لأن من شأن ذلك خلق مجتمع قوي، وناضج، في ظل دولة حديثة تستمد أسباب قوتها من الشعب باعتباره دعامة أهدافها التي تصبو لبلوغها.
وفي الحقيقة إن أمراً كهذا يستدعي الحد من عصبية الولاءات القبلية والمذهبية والمناطقية كونها ولاءات قائمة على ثقافة غير ديمقراطية، وجامدة، غالباً ما تعيش ضمن فلسفة منغلقة على ذاتها، وترفض الانفتاح على ثقافة الآخر التي قد تكون أكثر إيجابية وتطوراً مما لدى الغير.
ولعل التطلع إلى الديمقراطية الحقيقية يبدأ في كل الأمور بجهود حثيثة من قِبل كل القوى الوطنية لتهيئة المناخ الثقافي السليم للفرد، ليكون مؤهلاً لتنمية ممارساتها وترسيخ سلوكها الاجتماعي العام.