الثلاثاء, 23-أبريل-2024 الساعة: 11:40 ص - آخر تحديث: 01:27 ص (27: 10) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
ثقافة الردح لدى «المعارضات» العربية



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


ثقافة الردح لدى «المعارضات» العربية

الثلاثاء, 30-مايو-2006
غسان الامام -

«مفيش حد أحسن من حد». صار لقضاة المحاكم الشرعية «الطالبانية» في الصومال ميليشيا تخوض الاقتتال العبثي في شوارع مقديشيو. الميليشيا الاخوانية في مصر نزلت الى شوارع القاهرة لتشجع قضاة المحاكم على مقاتلة الدولة!

«طز في مصر»! مرشد الاخوان لا يستحي، وهو على عتبة الثمانين من استعمال لغة الشارع. فقد أعلن صراحة: «من الآن فصاعدا سيكون الشارع طريقنا لفضح النظام». كلام «المرشد» أبلغ دليل على انحدار الممارسة السياسية العربية. ظاهرة مؤسفة لابتذال أدب الرفض والمعارضة والحوار.

ثقافة الردح والرغي تُزري بمصداقية «المعارضات» العربية. الصراخ والزعيق والبذاءة والتهريج في الشارع وعلى المنابر... تضعف جدية المعارضة لدى الرأي العام، لدى الأغلبية الصامتة التي تتفرج آسفة على غياب الموضوعية الأخلاقية، بل وخائفة من هذه الشعبوية الغوغائية. أمسك بصحافة المعارضة المصرية. أدهش لاتساع مساحة التعبير، لكن أذهل لضحالة العرض، وركاكة النص، ولغياب المعلومة والثقافة الرفيعة في أدب التحليل السياسي، وعرض المواقف والآراء.

المعارضة عمل سياسي مشروع. لا ديمقراطية بلا معارضة، لكن المعارضة ساحة لعرض القيم والأفكار النبيلة التي تفتقدها، حسب اعتقادها، في النظام. المعارضة مسؤولية وطنية وأخلاقية في التعامل مع رموز الوطن والدولة.

حتى هيكل المفكر والمثقف والمعارض الأبدي للنظام العربي منذ غياب نظامه الناصري، يعترض ضمنا على «قلة أدب» المعارضة في التعامل مع الرئيس مبارك. كعربي، ربما لا أشعر تماما كمصري بثقل وطأة النظام على المعارضة، لكن أشعر بالحزن لاستهانة المعارضة بالرئاسة. مبارك أفضل من نظامه. تنسى المعارضة أن الفضل في الاستقرار الاجتماعي الذي تنعم به مصر يعود إلى جدية رئيس مصر وحزمه في كسب معركة الدولة مع العنف الأصولي.

لا مزاح مع مبارك في الأمن. لكنْ هناك تغييبٌ معارضٌ متعمد لدوره في توفير هذا الفضاء الرحب لحرية التعبير الإعلامي والحزبي الذي لم تعرفه مصر الملكية والناصرية والساداتية. تنسى المعارضة، في صخب ردحها، أن الأصولية «الجهادية»، وليس مبارك هي المسؤولة عن عرقلة وتعطيل مسيرة الحرية والديمقراطية في بلوغ أقصى مداها في مصر، وربما أيضا في العالم العربي.

في لا موضوعية المعارضة، هناك استهانة وتناسٍ لدور مبارك القومي. أعاد مبارك مصر إلى صميم العروبة والعمل التضأمني العربي. بات لا غنى عن دور مبارك في الوساطة والمشورة والنصيحة، بل وفي هذه الممارسة الهادئة والحكيمة بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة.

بلا فلسفات الآيديولوجيا، يدرك مبارك ببساطة أن دور مصر العربي ونفوذها في المنطقة المحيطة بها، هما تعزيز لاستقرار مصر وأمنها ومكانتها في بيئتها العربية/ الافريقية. وبلا عبثية المحاور، يبرز التنسيق بين مصر المباركية والقيادة السياسية السعودية كعامل استقرار وثقة وضمان للأمان في المنطقة العربية.

غير أني لا أنكر أن جانبا من انحدار الممارسة السياسية العربية وشيوع ثقافة الردح والرغي، يتحمل المسؤولية عنه النظام العربي. الدولة العربية دولة معاصرة، لكنها ليست بدولة حديثة. السبب موت السياسة الذي عطل عملية الصعود السلمي إلى السلطة وتداولها.

السلطة وسيلة وأداة وليست غاية المنى والآمال. طول البقاء في القمة أدى إلى الجمود وترهل النظام. غياب المساءلة والنقد الغى المساواة أمام القانون، وخلق المحاباة وأشاع الفساد. ضاقت دائرة السلطة والقرار، وانحصرت في النظام الجمهوري بالعائلة، بعدما كانت في الحزب أو العشيرة والطائفة.

انحراف المعارضة عن الالتزام بعدم تجاوز المبادئ السلمية والنبيلة للعملية الديمقراطية، عائد إلى تمسك النظام بالأدوات المتخلفة لدولة الآيديولوجيا الماركسية والقومية: «حزب السلطة. الحزب القائد. حزب الطليعة. الجبهات والمواثيق الوطنية التقدمية..» التي باتت واجهة صماء، لكنها لا تخفي الانتماء الطائفي والعشيري للنظام، هذا الانتماء المدرع والمحمي بسلاح المؤسسة العسكرية، وبقمعية المؤسسة الأمنية.

وهكذا، فابتذال العمل السياسي الذي تمارسه السلطة من خلال الخلط بين الأمن والقمع، وتمارسه المعارضة من خلال افتقادها الثقافة والتربية الديمقراطية... كل ذلك يدفع، في غياب الحوار داخل المؤسسات والهيئات الديمقراطية، بالعمل السياسي إلى شارع عربي غاضب وخطر وغير واع، وواقع تحت تأثير قوى أصولية مشكوك في ديمقراطيتها، وأيضاً إلى وسط عام يؤمن بالمؤامرة، وإلى بيئة سياسية متوترة كثيرة الثرثرة وتداول الشائعة في غياب الحقيقة.

المعارضة ليست دكاكين فردية، كما تعتقد «المعارضات» السورية. المعارضة أحزاب حقيقية ذات برامج سياسية معلنة ومفصلة. الحزب الديني هو الحقيقة الحزبية الوحيدة المزدهرة في العالم العربي. النظام السبعيني، في حربه ضد المشروع القومي المهزوم أصلا أمام أميركا واسرائيل، ترك المسجد في قبضة الحزب الديني، وأقعد المرجعية الدينية التقليدية على شاشة التلفزيون لتمارس ثقافة التلقين.

عندما أفاق النظام على الخطأ، كانت الأصوليتان المتسيسة والتقليدية قد تمكنتا من فرض الرقابة على الحريتين الثقافية والاجتماعية، وهيأتا المجتمعات العربية للتعلق بوهم الدولة الدينية الفاضلة التي أخفقت الخلافة الإسلامية التاريخية في إقامتها خلال أكثر من ألف سنة.

في الحضور المزدهر للمعارضة الدينية، تبدو المعارضة السياسية ممارسة في الفراغ. معارضة مشرذمة تضطهدها الدولة. رموز ثقافية بلا قواعد شعبية. المثقفون بدورهم انحدروا إلى ممارسة الردح والرغي ضد نظام يفقد كبرياءه عندما يعتقل مثقفي بلده، لأنهم مسوا «المحظور» في الحديث عن طائفة النظام أو دعوا لإصلاح الشرخ الخطير في العلاقة الأبدية بين بلدين شقيقين.

لا قداسة للحزب الديني عندما يسيس ويحزب الدين. انتهازية العمل السياسي تبدو في هذا الزواج المخالف للطبيعة المعقود بين بورجوازية خدام التجارية التي فكت حلفها الطويل مع النظام، لتعقد قرانها «بالحلال» على اليمين الأصولي الاخواني الذي يرفض مراجعة ونقد تجربته التاريخية في مسايرته للإقطاع، ثم في ممارسته للإرهاب، وانضوائه تحت مظلة دكتاتورية صدام.

في مراجعتي للظاهرة الخدمية في السلطة والمعارضة، اقول ان خدام واقعي في إعلانه بأن «لا أمل في إصلاح النظام» في سورية. لكنه غير واقعي في زعمه انه يملك ما يساعد على تغيير النظام خلال اشهر. خدام يدعي ذلك لتأكيد مصداقيته لدى حليفه الشيخ البيانوني الذي منحه البركة بعد التوبة.

على من يضحك خدام؟ هل سورية حقا غير العراق؟ ماذا يفعل خدام بفئات مسلحة تنتظر الفرصة لتصفية الحساب؟ ماذا يفعل خدام بجيش سوف ينقلب إلى ميليشيات تحمي طائفة النظام؟ ماذا يفعل خدام بأكثر من مليون كردي يحلمون ضمنا وعلنا باقتطاع قطعة من سورية لضمها إلى دولة طالباني وبرزاني؟ ثم ماذا يفعل بنصف مليون لاجئ فلسطيني تدين قياداتهم المسلحة بوجودها وحركتها لنظام بشار وأبي بشار؟

في زمن التطرف الأصولي والفوضى السياسية، يتنافس النظام والمعارضة على استدعاء الأجنبي. أنظمة ومنظمات انضوت تحت عمامة نظام ايران. «معارضات» دينية وأصولية وسياسية تبرئ نفسها من الأمركة، وتركب موجتها «لإصلاح» النظام العربي. كأن النظام لم يتعلم من تجربته المرة في الانحياز إلى طرفي الحرب الباردة. وكأن المعارضة قادرة على قلب أنظمة أحكمت حماية نفسها وأمنها من كل «مكروه إصلاحي» أميركي، وتنتظر زوال خطره بانطفاء إعصار بوش وإصلاحيته المصطنعة


الشرق الاوسط
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024