الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 04:28 ص - آخر تحديث: 11:33 م (33: 08) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
نجيب محفوظ في عيون إسرائيلية



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من ثقافة


عناوين أخرى متفرقة


نجيب محفوظ في عيون إسرائيلية

الخميس, 14-سبتمبر-2006
المؤتمرنت - قد يبدو للوهلة الأولى إن اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بوفاة نجيب محفوظ، نابع من تأييده لاتفاقية كامب ديفيد، لكن الحقيقة أن نجيب محفوظ لم يلق اهتماماً كبيراً في إسرائيل قبل نيله نوبل 1986، حيث بدأ عدد قرائه يتسع، ودخلت نصوصه المناهج. القراء التقليديون لهذا الأديب في إسرائيل هم العرب من فلسطينيين ويهود، والآخرون تعرفوا عليه في العقدين الأخيرين. أي مكانة لمحفوظ في إسرائيل؟ وماذا يقول عنه مترجمه، الروائي الشهير سامي ميخائيل، الذي التقاه، في القاهرة تكراراً؟
أحب أن أرى مصر من خلال عيون نجيب محفوظ، فانا نصف عربي. ولدت في العراق وقضيت طفولتي وشبابي هناك. الحدود بين العالم العربي وإسرائيل موجودة داخل مهجتي وقلبي، وفي مكان ما استطاع نجيب محفوظ أن يمس ذلك الجانب المتعلق بالحدود.

ارتبطت به مثلما ارتبطت مع اميل حبيبي وكتاب فلسطينيين عرب يعيشون في فلسطين. أتمنى أن يكثر أمثال محفوظ وان لا يلاحقوهم كما لاحقوه في مصر. فمثل محفوظ لا يعتبر شجاعا فحسب إنما محب صادق لوطنه وبلاده وشعبه». بهذه الكلمات تحدث الروائي الإسرائيلي الشهير سامي ميخائيل عن نجيب محفوظ، الذي غادرنا أخيراً، تاركا فراغا كبيرا. فهو اليوم، أحد الأدباء العرب المقروئين جدا في إسرائيل، ليس فقط من فلسطينيي 48 بل أيضاً من اليهود، خاصة الشرقيين من أصل عربي.

فالعديد من هؤلاء ما زالوا يعتبرون العربية لغتهم الأم، وقاموا بتعلم اللغة العبرية فقط عندما هاجروا إلى إسرائيل. قسم منهم حافظوا على تواصلهم مع لغتهم الأم وما زالوا يتكلمونها بطلاقة، ويؤلفون بها الكتب ويكتبون المقالات، ويقومون بترجمة إبداعات لأدباء عرب للعبرية بينهم نجيب محفوظ.

بين هؤلاء البروفيسور ساسون سومخ، وهو يهودي من أصل عراقي، يعتبر احد كبار الباحثين في اللغة العربية. يبحث بالأساس في الأدب العربي خلال القرن العشرين من خلال تحليله لدمج عناصر أدبية حديثة باللغة العربية القديمة وفحصه لكيفية تأقلمها مع التغيرات. نجيب محفوظ يعتبر مثله الأعلى، وكتب أطروحته للدكتوراه في «جامعة أكسفورد» حول قصص نجيب محفوظ. وهو نفسه يدرس اللغة العربية في عدة جامعات في العالم وفي إسرائيل.

الكاتب العبري من أصل عراقي سامي ميخائيل الذي يبلغ ألان ثمانين عاما، كان أول من ترجم بالكامل ثلاثية نجيب محفوظ، إلى العبرية. الترجمة استغرقت ثماني سنوات. انسجام سامي ميخائيل مع الأديب وتماثله مع كل كلمة وردت في قصص محفوظ جعلته يتوجه إلى لقائه فور توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل سنة 1978.

« هذه القصة العربية هي الأولى التي قرأتها بشغف بعد ثلاثين سنة من مغادرتي مسقط رأسي العراق. كنت في خضم كتابة إحدى قصصي، عندما طلب إلي البروفيسور ساسون سوميخ ترجمة الثلاثية. في البداية حاولت التملص وعندما ألح في الطلب، اشترطت سعرا عاليا للتهرب فكانت المفاجأة بالموافقة على طلبي، فلم يعد أمامي سوى القبول». يقول ميخائيل: «قررت عدم قراءة الثلاثية قبل ترجمتها، فتمتعت بكل كلمة جاءت فيها. لقد كتبت من خلال حب الاستطلاع وكأنني اكتب قصة جديدة».
سامي ميخائيل يحمل في قلبه وعقله مكانة خاصة لنجيب محفوظ، وقد ازدادت هذه الرابطة بعد لقاءاتهم المتعددة التي زادت عن العشر مرات في القاهرة. فعندما تسمعه يتحدث عن محفوظ تجده يستخدم كل جوارحه، وعندما تسأله عن رأيه المهني يجيبك بتواضع لا يخلو من الهيبة: «انه من أوائل بنائي القصص الحديثة في العالم العربي، عندما ترجمته وقفت على الجانب الفني للبناء وعلى القصة والجمل ووصف الشخصيات، التي تتسم بالحداثة بشكل بليغ. اعتقد انه احد أولئك الذين أحدثوا ثورة كبيرة في الأدب العربي التي كان أساسها الشعر. نجوم الأدب العربي على مدى الأجيال كانوا من الشعراء ولم يكونوا كاتبي قصص. وأولئك الذين كتبوا قصصا مثل «ألف ليلة وليلة» دفع بهم إلى الهامش وكان ذلك في الثقافة العربية القديمة أدبا هامشيا. بينما قام محفوظ بتطوير القصة ووضعها في الصف الأول في الأدب العربي، بسبب مهارته في صنع الحبكة، وأسلوبه البليغ، وتأقلمه مع الفجوة الكبيرة بين العامية والفصحى. دائما كانت اللغة ذات المستوى العالي للشعراء. محفوظ كسر هذه الفجوة ووجد بطريقته الكلمات البسيطة للوصول إلى القراء العاديين، انه عكس يوسف إدريس الذي رفض الحل الوسط فكتب الوصف بالفصحى والحوار بالعامية.

«الثلاثية» ليست الرواية الوحيدة المترجمة للعبرية، فقد قامت عدة دور نشر مثل «دار نشر ـ سفريات بوعليم» ودار نشر «طالان دلس» ودار «عام عوفيد»، بترجمة عدد من روايات محفوظ. الأولى التي ترجمت للعبرية هي «اللص والكلاب» وبعدها «أولاد حارتنا» و«ثرثرة فوق النيل» التي مثلت على احد المسارح في حيفا. بالإضافة إلى الثلاثية وقصص أخرى. «لا اعتقد أن هناك كاتبا عربيا حظي بترجمة للعبرية مثل نجيب محفوظ وهذه خسارة حسب رأيي لأن ذلك لا يكفي، فأنا ألان في خضم ترجمة أحد كتب يوسف إدريس».

لكن كم هو عدد القراء الذين يقبلون على قراءة قصص وروايات لكتاب عرب؟ الجواب: العدد ليس كبيرا. يرون سيدان، مدير عام دار «عام عوفيد» يقول «الكتاب الجيد يتم الإقبال عليه بغض النظر عن كاتبه. فعندما قمنا بترجمة قصة الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» لاقت إقبالاً كبيراً وكانت من اكثر الكتب مبيعاً، والآن هناك كتاب لليبي هشام مطر، وآخر لكاتبة إيرانية، وغيرهما لأفغانية تباع بكميات كبيرة. لكنني كمدير عام لدار نشر ارغب جدا بترجمة كتب إضافية من العربية. وقمت بزيارة عدة معارض كتب في العالم، لشراء حقوق الترجمة والطبع من كتاب عرب ودور نشر عربية، لكن جميع طلباتنا رفضت بعدما عرفوا إننا من إسرائيل. آمل ان تتغير الصورة في المستقبل».

ترجمة ثلاثية محفوظ التي تحمل بالعبرية عنوان «بيت في القاهرة» دفعت بالكاتب سامي ميخائيل إلى الاتصال بمحفوظ والالتقاء به في القاهرة «لقاؤنا الأول كان في مقهى «ريش». انا وأبناء جيلي كبرنا على الصحافة والأدب المصريين. فالصحف والمجلات والكتب المصرية كانت تباع في بغداد مثلما تباع في القاهرة. والقراءة لنجيب محفوظ لم تشدني فقط إلى مصر وإنما إلى بغداد أيضا، والعادات العربية. بعد توقيع اتفاقية السلام سافرت سنة 1982 إلى مصر. «اللقاء الأول كان في مقهى ريش في القاهرة». جلسنا على شرفة على الرصيف. انا تحدثت باللهجة العربية الفلسطينية التي اكتسبتها من خلال عملي في صحيفة «الاتحاد» وصحف عربية أخرى، وهو تحدث باللهجة المصرية. وقد أبلغته بأنني قمت بترجمة ثلاثيته. كان محبا للاستطلاع وأراد أن يعرف أكثر عن الأدب والمجتمع الإسرائيليين والراديو. وقد جددت لمعلوماته أشياء لم يعرفها من قبل. في تلك الفترة كانت إذاعة الجيش الإسرائيلي، هي الأكثر انفتاحا، حيث كان العاملون فيها من النجوم الصحافيين، وهذا فاجأه فقال: «ربما يكون ما تقوله صحيحاً، الجنود هم أولئك الذين يدفعون ثمن الحروب ومحطة إذاعة للجنود قد تكون أكثر اتزانا مقابل الأخطاء السياسية». بالطبع انا شعرت معه بحضور شخصية كبيرة. لكن ما أدهشني منه هو تواضعه. هكذا هم العباقرة.

نجيب محفوظ كان متواضعا وخجولا. انا اذكر حادثة ظريفة معه عندما كنت واياه جالسين على الشرفة في بيته الأرضي، صعد فوق جدار الشرفة شخص ما قفز من الشارع وطرح السلام واقترب من نجيب دون أن ينطق بكلمة، فأخذ يده وفتحها وقام برشها بعطر كان بحوزته. ثم غادرنا وهو يقول «السلام عليكم» دون أن يضيف شيئاً. فسألت نجيب، قل لي، ما هذه الطقوس؟ فأجابني «لأول مرة في حياتي يحدث لي أمر كهذا». ربما كان احد القراء المعجبين. انا تأثرت جدا من هذا التصرف، فأمر كهذا لم اشهده في حياتي.

ويتابع ميخائيل في حديثه عن محفوظ بالقول: «كنت التقية لوحدي. وعندما تكررت لقاءاتنا عرفني على أصدقائه، وصرت التقية بوجودهم، غالبيتهم كانوا قد سمعوا عني وقرءوا لي. تحدثنا في كل المواضيع. لنجيب كان موقف ثابت من موضوع السلام، أقام من حوله جوا من المعارضة ودفع ثمنه بمحاولة قتله. لكن مع نجيب لا اذكر انه كان بيننا نقاش حول مواضيع سياسية، فهو ابتعد عن ذلك دائما، لكنه أحب الاستماع إلى النكات السياسية. فقد كانت تلك النكات تضحكه كثيرا جدا، وكانت له ضحكة مميزة. المرة الأخيرة التي التقيته فيها كانت قبل أربع سنوات، وقد حزنت لحالته الصحية الصعبة. وجدت أنساناً يتحرك بصعوبة، ضعف سمعه ودائما يجلس الى جانبه شاب يقول له من حضر لزيارته.

«نجيب محفوظ ويوسف ادريس هما الأقرب إليّ». يوسف ادريس ضد السلام وإسرائيل وضد التطبيع لكنني أميز بين السياسة والإبداع الأدبي. فهو احد العمالقة الذين نشأوا في ساحة الأدب العربي، لكنه كان ديبلوماسياً، السلطة لم ترض عنه، واعتقد انه سجن أيضا، فهو لم ينل الاحترام الذي يستحقه ككاتب وأديب. مثلما يحتفظ رجل دين يهودي بكتاب التوراة والمسلم يحتفظ بالقرآن انا احتفظ بصالون بيتي بجزأين كبيرين من قصص يوسف إدريس باللغة العربية، وأقوم باستمرار بقراءتهما وأتأثر يهما دائماً». رغم هذا الحب لم يفكر ميخائيل في لقاء ادريس أو لا لأنه يعرف مواقفه السياسية وثانيا لكون ميخائيل خجولا كما يقول عن نفسه، وهو غير مستعد لإحراج الآخرين.

ميخائيل يجيب عن سؤال حول اليهود الذين يقرأون لكتاب عرب بالقول:
«للأسف هم ليسوا كثيرين، لكن عندما ترجمت الثلاثية لاقت تجاوبا ايجابيا، كذلك الكتب الأخرى التي ترجمت لمحفوظ في السابق، لكن أيا منها لم تكن في قائمة الكتب الأكثر بيعا. لذلك فإنه لا توجد معرفة في إسرائيل حول الأدب والأدباء العرب. ونجيب محفوظ أكثر الأدباء المعروفين لدى اليهود لأنه حصل على نوبل. وقد بدءوا بالتعرف على نتاجه فقط بعد تلقيه الجائزة. وأصبح يدرس في المدارس والجامعات بشكل محدود». والسبب بحسب ميخائيل هو «لأسفي الشديد كون القارئ العبري مبرمجا لاستيعاب وفهم وتقدير والحكم من وجهة نظر غربية
المصدر(الشرق الأوسط)

comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024