العلم المغربية/ محمد علي الحنشي - يرتبط المغربي ببلده بقوة، حيا أو ميتا. والدليل على ذلك، تشبث المغاربة بترحيل جثثهم عند الموت إلى أرض الوطن. لكن هذا التشبث بالانتماء إلى الأرض والدين يصطدم أحيانا بمشاكل مادية، لأن تكاليف نقل الأموات من دول الاستقبال تكون مرتفعة، فتتدخل جمعيات المغاربة في المهجر لجمع مصاريف النقل، أو تتكلف أحيانا جهات رسمية مغربية، مثل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بترحيل الجثث.


* موت مكلف

في السنة الماضية، تم ترحيل 4002 جثة لمغاربة ماتوا بالخارج. وتكلفت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بترحيل 55 جثة العام الماضي، وهذه الجثث هي لأشخاص لا يستطيعون توفير مصاريف ترحيل موتاهم إلى المغرب. فتتقدم عائلة الشخص المعوزة، والذي لا يتوفر على تأمين لدى المؤسسات البنكية بطلب لمؤسسة الحسن الثاني. فتقوم المصالح الاجتماعية للقنصليات والسفارات بتحريات حول وضعية عائلة المتوفى للموافقة على طلب منح مصاريف الترحيل أو رفضها. وتمنح المصالح القنصلية المغربية في الخارج الترخيص بنقل الجثة إلى المغرب، عندما يصلها الطلب.

وحسب بعض المشتغلين في مجال نقل جثث الموتى من الخارج إلى المغرب، تتراوح تكاليف ترحيل الموتى المغاربة من فرنسا بين 21 ألف درهم و25 ألف درهم، ومن إسبانيا بين 55 ألف درهم و60 ألف درهم، ويعزو المهنيون ارتفاع التكاليف من إسبانيا إلى غلاء تكاليف شركات نقل الأموات في إسبانيا. أما التكاليف في هولندا، فتتراوح بين 40 ألف و50 ألف درهم، وفي بلجيكا يصل المبلغ إلى حوالي 50 ألف درهم.

وبالنسبة للأشخاص الذين ينخرطون في فروع بعض الأبناك المغربية في الخارج، ويضعون مبالغ بها على مدى سنوات، تتكلف تلك المؤسسات البنكية في حالة موتهم بنقلهم إلى بلدانهم الأصلية. وتتكفل بترحيل وعودة أعضاء أسرة المشترك الآخرين، وتساهم في مصاريف الجنازة. وتنقل الأبناك أو وكالات التأمين الجثث إلى المكان المختار الذي يحدده أقارب المتوفى.

وتتكلّف هذه المؤسسات بتنظيم عملية ترحيل الجثث من مكان الوفاة في العالم بأسره حتى مكان الدفن في المغرب. وتقوم بمتابعة الإجراءات الإدارية للوفاة، ونقل الجثة إلى المطار، ومن هناك إلى مسقط رأس المتوفى، وتتابع طقوس الدفن.

** الإسباني الذي رحّل مئات جثث المهاجرين

تعيش عائلات ضحايا قوارب الموت محنة كبيرة، لأنهم في الغالب لا يستطيعون استرجاع جثث فلذات كبدهم. لذلك تطالب عائلات ضحايا قوارب الموت بحقها في معرفة مصير أبنائها، واستعادة جثثهم في حالة العثور عليها، لكن غالبية ضحايا الهجرة السرية في مضيق جبل طارق يدفنون في مقابر جماعية مجهولي الهوية. وتحتار عائلات ضحايا قوارب الموت في أمر الجهات التي ينبغي أن تطرق أبوابها للتعرف على مآل موتاها. لكن كم من جثث المهاجرين السريين المغاربة كان مصيرها الانتهاء إلى مقبرة مضيق جبل طارق.

تعرّف "مارتن زامورا" صاحب شركة لنقل الأموات على 200 جثة مغربي، غرقوا في مضيق جبل طارق خلال 5 سنوات. وهو يعيش في منطقة قرب مدينة الجزيرة الخضراء.

واهتم مارتن بمصير الغرقى المغاربة الذين أهملهم الجميع. وبدأت قصته معهم عند انتشال جثثهم من البحر. ويقول عن تجربته: "وجدت نفسي وسط عشرات جثث المهاجرين المجهولين في غرفة باردة. وكان مصير تلك الجثث هو الدفن في قبر مجهول، مكتوب على شاهده" مهاجر رقم...". فطلبت من القاضي المكلف بالملف أن يعطيني الأغراض الشخصية للموتى، لكي أستطيع أن أحدد عائلاتهم. هكذا سافرت أول مرة إلى المغرب. تنقلت من قرية إلى قرية، حتى عثرت على أولى عائلات الضحايا. فربطوا لي الاتصال بالعائلات الأخرى. ونجحت في تحديد هوية جميع الجثث. التي دفنت في المغرب بعد أسبوع".

وذاع صيته في شمال المغرب، بحيث لا يمر أسبوع دون أن يسافر أحد العاملين معه إلى المغرب بحثا عن معلومات تمكّن من تحديد عائلات ضحايا قوارب الموت. وأصبحت تربط أخاه "أنجيل" المعروف في مدينة بني ملال علاقات مميزة مع المكاتب التي تدير الإجراءات الإدارية المتعلقة بهذا النوع من الترحيل.

وتوسّع عمل "مارتن" في إسبانيا، بحيث يتم اللجوء إلى خدماته، عندما يموت مهاجر مغربي، مهما كان سبب وفاته. ويقول "مارتن": "لا أتوفر على أي وسيلة إشهارية. وحققت هذه السمعة بفضل تناقل الناس لأخبار عملي في هذا المجال. وفجأة بدأ الناس في الاتصال بي من مختلف المدن الإسبانية، وعندما لا تستطيع إحدى عائلات ضحايا قوارب الموت دفع مصاريف نقل جثة ابنها، أنقل الجثة بالمجان".

وفي إحدى زياراته إلى المغرب، التقى مارتن بأحلام المغربية، فتزوجها. وبفضلها أدخل الشعائر الإسلامية في إعداد الجثث للدفن.

* شركة وهمية لترحيل الموتى!

افتضح أمر شركة فرنسية وهمية أرادت أن تخصص جزءا من أسطولها الجوي لنقل الموتى نحو المغرب في شهر أكتوبر الماضي. وركّزت الشركة الفرنسية على هذا المجال، عندما وجدت أن سوق نقل الموتى واعد في دول المغرب العربي، عموما، والمغرب بالخصوص، الذي أرادت أن تبدأ مشروعها منه. لكن اتضح أن مسؤولي هذه الشركة من المحتالين.

وكانت تلك الشركة الوهمية قد أعلنت في يوم 4 ماي الماضي، في أحد المطارات الفرنسية عن استعدادها لبداية خدمة ترحيل الموتى نحو المغرب في مرحلة أولى، ثم إلى دول المغرب العربي في مرحلة ثانية.

وحاولت تلك الشركة استغلال ارتباط المغاربة بوطنهم. وتفضيلهم الدفن هنا في المغرب على أرض المهجر.

وعند موت أحد المغاربة في المهجر، تتعبأ الجالية المغربية، من خلال جمعياتها لتوفير تكاليف ترحيل جثة المتوفى.

ويحرص جميع المهاجرين على عدم دفن المتوفى في أرض المهجر، بل إرجاعه إلى المغرب ليدفن في مسقط رأسه. وفكرة إرجاع الموتى إلى المغرب راسخة في ذهنية مغاربة الخارج. ويشارك الجميع بما تيسّر له من مال في هذا العمل الاجتماعي، والجميع يقول في قرارة نفسه: "لربما سيكون دوري أنا في المرة القادمة".

ويشعر المغاربة والمسلمون، عموما، أن طريقة الدفن في المقابر الفرنسية لا تحترم تعاليم الإسلام. لذلك يفضّلون نقلهم إلى بلدانهم الأصلية ليواروا التراب على الطريقة الإسلامية. ويرى المسلمون أن فرنسا لا تمنحهم إلا إمكانيات محدودة لدفنهم حسب مبادئ الإسلام. ومع أن الإسلام هو ثاني ديانة في فرنسا بحوالي 5 ملايين مسلم، نصفهم من الفرنسيين، لا توجد إلا مقبرة إسلامية واحدة تم فتحها بقرار رئاسي عام 1934. ومع توالي السنين، أصبحت أماكن دفن المسلمين نادرة.