السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 06:20 م - آخر تحديث: 03:56 م (56: 12) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
من صيـف صنعــاء إلى شتـاء القاهــرة (2-2)



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


من صيـف صنعــاء إلى شتـاء القاهــرة (2-2)

الإثنين, 09-فبراير-2004
بقلم: نزار حضير العبادي - ودّع اليمنيون عقد الثمانينيات وهم راضون عن أنفسهم تماماً، وصنعاء تخامرها أحلام لا حصر لها بعد أن وجدت نفسها أحد أقطاب مجلس التعاون العربي وللتو- في 30 نوفمبر 1989م- وقعت اتفاقية الوحدة اليمنية، التي سيكون إعلانها في صيف عام 1990م (22 مايو) بمثابة فأل السعد الذي يستحق أن يصبح عيداً وطنياً رسمياً لليمن.
ولا شك أن القاهرة كانت سعيدة جداً بما تحقق في اليمن ، خاصة وأن رئاسة دولة الوحدة " الجمهورية اليمنية" قد آلت للرئيس علي عبد الله صالح الذي يحظى بثقة القيادة السياسية المصرية وارتياحها خلافاً للنظام الجنوبي الذي لم تكن القاهرة على وفاق كبير معه، ويثير قلقها من حين لآخر بحكم سيطرته على عدن المتحكمة بالمنفذ الجنوبي للبحر الأحمر الذي تعتمد مصر على أنشطته التجارية إلى حدٍ كبير. في حين أن الوضع الجديد في اليمن سيشجعها على الانضواء في أطر استراتيجية قد تزيد من قوة مركزها الإقليمي والدولي وتمنحها مساحة أوسع للمناورة السياسية والتأثير بمستقبل المنطقة.
لكن تلك التطلعات الطموحة لم يكتب الله لها الحياة لأكثر من سبعين يوماً فقط. ففي الثاني مع أغسطس 1990م كان العراق يفاجئ العالم برمته بأنباء احتلاله للكويت، التي ما لبثت أن تطورت الأحداث السياسية بعدها مباشرة على نحو سريع لم يتح لأحدٍ فرصة التقاط أنفاسه للتفكير ملياً بما يمكن أن يبلور من أفكار أو مواقف.

أن هذا الحدث الجلل لم يضع العلاقات اليمنية المصرية في دائرة الشك فحسب، بل ووضع العلاقات العربية- العربية في دوامة مفزعة. فاليمن بنى موقفه من الأزمة في ضوء حسابات استراتيجيات الأمن القومي العربي التي كانت تكهناتها تثير لديه حساسية مفرطة لما يمكن أن تتطور إليه موازين القوى بالمنطقة، فيخسر بذلك بعض مكتسباته السيادية، علاوة على حرص اليمن على موازنة موقفه بالقدر الذي لا يضطره إلى خسارة أيًّ من العراق أو الكويت.
لكن القاهرة تقاطعت مع المسار اليمني في ظل تبنيها لحسابات أخرى- كانت تبدو – محكوم بعضها بارتباطات مصالحها الاقتصادية مع دول الخليج التي تحتضن مئات الآلاف من الأيدي العاملة المصرية، وكذلك مصالحها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. أما الجزء الآخر مما استند عليه الموقف المصري فهو يدخل في حسابات إعدادات خارطة الاستقطاب الإقليمي لدول المنطقة، وإلى طبيعة فهم وتفسير القيادة المصرية لما تهيأ بين يديها من بيانات ومعلومات مستقاة من مصادرها الخاصة.
ومن هنا أسهم هذا الحدث في وضع العلاقات اليمنية- المصرية على مفترق الخيارات المعقدة، والحتمية في آن واحد. وربما كان للمناخ السياسي الدولي الذي أساء تفسير الموقف اليمني " عن قصد يخدم التوجه الأمريكي" دوراً في إحاطة العلاقة اليمنية بكثير من الشكوك التي زعزعت الثقة بين الطرفين، وبالتالي فإن المظاهرات الشعبية " العفوية" التي جابت أرجاء اليمن تنديداً بالحرب المحتملة على العراق لم تجد من يفسرها على خلفية كراهية الشعب العربي للولايات المتحدة وأهدافها المفضوحة، أسوة بما انتهى إليه تفسير المظاهرات المماثلة التي فجرها أبناء الشعب المصري في كل مكان، أو سواهم من الشعوب. فالحالة مع اليمن فاقمت الشك، وعمقت الهوة بين صنعاء والقاهرة – على غرار ما فعلت مع غيرها من الدول العربية التي انضمت إلى صفوف الحلف الإنجلو – أمريكي.
وعلى الرغم من محاولات صنعاء في شرح موقفها السياسي من الأزمة، سعياً للحصول على تفهم القاهرة، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل. وهكذا فرضت القاهرة شتاءها القارص على أفق العلاقات الثنائية مع اليمن لتنزوي كل الأحلام السابقة إلى ركن شديد البرودة يحول دون التخطي للأمام – ولو بقدمٍ واحدة.
· رياح الانفصال تعصف بالعلاقات.
في ظل ما كان سائداً، أوصدت اللجنة العليا المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني بين البلدين أبوابها بعد أن كانت قد عقدت دورتين: الأولى بالقاهرة في أكتوبر 1989م، والثانية بصنعاء في مارس 1990م. ولم تستأنف نشاطها إلاّ في يونيو 1996م إذ عقدت دورتها الثالثة بالقاهرة.
ومع أن صنعاء كانت تراهن على عودة سريعة لسابق العهد مع القاهرة، لكن احتدام الأزمة السياسية الداخلية في اليمن بين صنعاء وعدن، ثم انفجار الحرب في صيف عام 1994م قد خلق أجواء جديدة، وملابسات معقدة زجت العلاقات اليمنية- المصرية في شتاء يصرعه الجليد. فالجماعات الانفصالية في الحزب الاشتراكي اليمني اغتنمت الحصار الدولي المفروض على صنعاء من جراء موقفها أبان حرب الخليج الثانية، وقامت بجولات مكوكية محمومة في بلدان عربية وأجنبية مختلفة بقصد كسب تأييد المجتمع الدولي عبر الكثير من الادعاءات والأباطيل والاتهامات الموجهة لنظام الرئيس علي عبد الله صالح ، مما تبلور عن ذلك زيادة حدة توتر العلاقات اليمنية الخارجية.
وفيما يخص الموقف المصري في حرب الانفصال، فقد لمست صنعاء بعض انحياز مصري لدعاة المشروع الانفصالي من خلال ما فهمته من إعلان القاهرة رفض تحقيق الوحدة بالقوة، ثم تبنيها للمبادرة الديبلوماسية الداعية إلى إيقاف الحرب وعودة الجيوش إلى الحدود التشطيرية السابقة، واستعدادها لإرسال قوات فصل مصرية تقف بين الجانبين. وهو الأمر الذي أثار غضب صنعاء وقلقها .
وعلى الرغم من تفهم القيادة السياسية المصرية لواقع الحال اليمني عقب الاتصالات التي بادر إليها الرئيس علي عبد الله صالح مع الرئيس محمد حسني مبارك بهدف تصويب الرؤى واحتواء الأمر قبل تأزمه على نحو حقيقي، إلا أن المسألة برمتها كانت تؤولها صنعاء على وجود أطراف خارجية تسعى بكل جهدها لإفساد العلاقات اليمنية- المصرية من خلال تقارير مغلوطة – على حد وصف الرئيس علي عبد الله صالح في عدة مناسبات - تحاول عبرها تلك الأطراف إيهام القيادة المصرية بأن صنعاء تحتضن جماعات إسلامية مصرية متطرفة ممن يعارضون النظام المصري، أو مطلوبين للقضاء المصري على ذمة قضايا جنائية وإرهابية.
ومن الواضح أن الزعيمين علي عبد الله صالح ومحمد حسني مبارك كانا على قدرٍ جيد من الصراحة والوضوح والشفافية التي تؤهلهما لاستيعاب فحوى الأمر، ومقتضيات الظرف المرحلي، وطبيعة الرهان الجاري على هذين البلدين اللذان يمتلكان مفتاحي طريق التجارة الدولية المؤدي إلى 65% من مخزون موارد الطاقة العالمية.
أن هذا الرأي تؤكده القفزة النوعية المفاجئة على طريق العلاقات الثنائية بين مصر واليمن. فما أن مرت بضعة أشهر على كسب صنعاء حرب الدفاع عن الوحدة الذي تم الإعلان عنه في 7 يوليو 1994م، حتى نشطت حركة الزيارات المتبادلة بين ممثلي النظامين، وأخذت بالعودة إلى مساراتها الطبيعية بعد أن عاشت أربع أعوام تقريباً خالية من كل الفصول ما عدا الشتاء الذي أثلج كل حركة معتادة.
إذن صار بمقدور الطرفان في 21 مارس 1996م التوقيع على اتفاقية تعاون أمني، ثم في عقد الدورة الثالثة للجنة ا لعليا المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني في القاهرة للفترة (4-6 يونيو 1996م) ، ثم تلتها الدورة الرابعة بصنعاء في الفترة (10-12 ديسمبر 1997م)، والدورة الخامسة بالقاهرة في الفترة (17-19 يونيو 1999م). وهو الأمر الذي أنعكس إيجابياً على النشاط الاقتصادي بين البلدين، حيث تنامت الصادرات المصرية إلى اليمن وبلغت حوالي مليارين ونصف ريال يمني في عام 1997م، ثم ارتفعت في عام 1999م إلى ما يزيد عن 5 مليارات ريال يمني ، وكذلك الأمر بالنسبة للصادرات اليمنية إلى مصر والتي تكاد تعادلها تقريباً.
ومع كل ذلك يبقى النشاط الاقتصادي المشترك بين البلدين متواضعاً جداً بالقياس إلى ما يمكن أن يؤول إليه في ظل مزيد من الدراسة الموضوعية والحسابات الدقيقة والمراجعات للإمكانيات المتاحة وأدوات تفعليها في ضوء كل ما يخدم المصالح المشترك للبلدين.
وانطلاقاً من ذلك التصور تكتسب زيارة الرئيس علي عبد الله صالح لجمهورية مصر العربية اليوم أهمية كبيرة مستمدة من عدة اتجاهات: الأول هو أنها تمثل مبادرة يمنية جريئة لتنقية الأجواء من أية شوائب ظلت عالقة في آفاقها، وتحول دون الاستثمار الأشمل لأطر العلاقات الثنائية ضمن مشاريع سياسية وتنموية طموحة. أما الوجه الثاني الذي يكسبها الأهمية فهو أنها تتزامن مع العديد من الملفات الساخنة التي تقتضي الضرورات الملحة مناقشتها بدقة وبناء موقف عربي مشترك إزائها- كما هو الحال مع القضية الفلسطينية، وقضية مستقبل العراق، علاوة على القضايا ذات الصلة بحوار الثقافات، والأمن القومي وغيرها.
في حين ظل هناك بعد ثالث تمليه المصالح الاقتصادية التي ترى اليمن أن بإمكان اللجنة العليا المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني بين البلدين أن تقوم بدور أكبر بكثير مما هو عليه الآن إذا ما سار عملها وفق منهجية علمية، ورؤى تكاملية واضحة تستفيد من المقومات الخاصة بكل بلد، وتعمل على المجانسة والتوفيق بينها. وهو الأمر الذي سبقت إليه دعوة رئيس الوزراء عبد القادر باجمال في أكثر من مناسبة خلال الشهر الجاري، مقدماً الكثير من الإغراءات للمستثمرين المصريين لتوجيه استثماراتهم نحو اليمن سواء في الصناعات الدوائية ، أو السمكية،وصناعة النسيج، وفي مجال السياحة والفندقة وغيرها مما تهيأت له المناخات ا لمناسبة جداً في اليمن.
كما أن هناك توجه حكومي رسمي لإنشاء بنك يمني – مصري يسهل أمر حركة الأسهم المالية للمشاريع الاستثمارية المختلفة ، فضلاً عن أن صنعاء أعلنت على لسان رئيس وزرائها استعدادها لتخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات المصرية والقادمة لليمن لتصبح ما بين 5-10% فقط.
ولا شك أن القمة اليمنية – المصرية تنضوي تحت العديد من الرؤى الاستراتيجية للقيادتين السياسيتين. إذا أنها تتحرك صوب لثم جراحات الأمة ومحاولة الحفاظ على قدر معقول من توازنها السياسي، علاوة على أنها تسعى باتجاه البحث عن ديناميكيات عصرية لعمل العلاقات العربية- العربية تحت سقيفة الجامعة العربية التي يأمل الزعيمان علي عبد الله صالح ومحمد حسني مبارك وضع لبنات مشروعها المستقبلي الفاعل في الساحة الدولية... وعليه فهي – أيضاًَ- خطوة دافئة في شتاء القاهرة باتجاه "قمة تونس" التي ستنعقد خلال شهر مارس المقبل.
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024